Taammulat
تأملات: في الفلسفة والأدب والسياسة والاجتماع
Türler
وكلاهما قد يزول همه بانقضائه، لا كأهل المدينة سلمهم حرب وحربهم حرب، فهم في السلم من خوف الحرب في حرب شعواء، أدهى وأمر من الرمي والطعن والضرب، وهم من خوف الفقر ومن المزاحمة على حاجات الحياة وكمالياتها في حرب ، وهم من ثروتهم العلمية والفنية والمالية في فتنة مستطيرة الشرر، تقلق المليء والخالي، وتكد ضمير العظيم والحقير على السواء.
إذا كانت السعادة في أفراد الأمم البادية، فأخلق بها أن لا تكون في مدنيتنا، بعيد عن السعادة، وهي أمنية الحي، رضاء النفس وطمأنينة القلب ونور العين، أن نلقاها في حمأة الشهوات الذي تزحف فيه النفوس، وتتخبط في ملاطمه القوى والملكات، إلا الذين أخلصوا قلوبهم وتعرفوا الحياة بالعقل وبالمثل، فعرفوها عن قرب، يضربون فيها لأشخاصهم هونا ويعملون لسعادة غيرهم جما، ويكبر في صدورهم حب الإنسانية وتنمو في نفوسهم طبائع الخير، فتميت ما عداها من الميول، رضي الله عنهم ورضوا عن أنفسهم، وحققوا سعادتهم في هذه الدار، أولئك هم السعداء.
أين الرجل السعيد الراضي بحاله في هذه الحياة الدنيا؟ وقلب المرء بما أودع من الهموم الحقيرة والجليلة، لا يهدأ روعه ولا يكن هياجه إلا إذا أصاب أغراضه ووصل آماله وبلغ أمانيه وما هو ببالغها؛ وكلما انقضى منها سبب جاءه سبب جديد، إنه لا نهاية لأغراضه ونهاية حياته واقعة لا شبهة فيها، وإن حاول هو أن يؤجل هذا الواقع، وإنه على ذلك ينفطر قلبه حسرات على ما يفوته من مطلوب، وتذوب نفسه شعاعا على فقد محبوب، إن أصابه الخير يزهيه فيركب متن الكبرياء وهو بركوبها شقي، وإن أصابه ما يظنه الشر يتبرم بعدل الوجود ويتغير للجمعية ويركن إلى الخمول أو يجرع كأس الذلة وهو بذلك أيضا شقي، ولو أنصف الإنسان لاعتقد أنه لا قبل له بتغيير مجرى الحوادث، ولا طاقة له على حسن تقدير الخير والشر:
وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون .
لو أنصف الإنسان لما جعل له من غرض في الحياة إلا القيام بما يعتقده الواجب، يخلص له النية والعمل جميعا، يعمل ثم يعمل، فإذا جاءت النتيجة على وفاق ما يقدر فليرض وليقنع من الرضا وليرضي نفسه على أن لا يخدعها النجاح كي لا تجمح وتتعسر عليه فيضيع من يده زمامها، وإن أكدى العمل وجاء بنتيجة عكسية، فليرض أيضا وليرضي نفسه على أن لا يخدعها الفشل، فتمل العمل وتقصر في أداء الواجب.
ألا إن السعيد هو من يعرف أن يرضى بحاله، فليست السعادة هي الثروة ولا الاستمتاع بها، وليست هي الجاه ولا آثاره، وليست هي الحب ولا لذاته، وليست هي العلم ولا نوره ولا منافعه، وليست هي الجهل ولا جموده وجرائره، وليست هي النباهة ولا كبرياؤها، وليست هي الخمول ولا انزواؤه وتعطيله، وليست هي الحكم، ولا في نظام الاستبداد ولا قدرته، وليست هي الجمال ولا شفاعته، وليست هي الظرف ولا خفته، وبعيد أن تكون هي العقل وحسابه، إن لم تكن هي الخيال وأوهامه، ليست السعادة شيئا من ذلك ولا هي كل ذلك بجمعه، بل السعادة ظن السعيد أنه سعيد.
جلت قدرة الله: إن لم نتعرف السعادة بين البؤساء فنحن لا نعرف لها أثرا بين الأغنياء، وإذا وجدناها من حظ الأغبياء فهيهات أن نجد فيها نصيبا كبيرا للأذكياء! نؤكد أن السعادة هي إحساس الموجودات وليست من الأعدام، ولكنها لا يلقاها إلا ذو حظ عظيم، لا يلقاها إلا من كان لا يعرف الهم، وهذا الصنف من الناس لا تنفعنا سعادته، كما لا يعز علينا شقاؤه، ولا يلقاها إلا رجل ذكي القلب راضى نفسه على الرضا، فرضيت غير كارهة، عرفت الحياة فلم تبالغ في تقديرها، وعلمت قيمة الواجب وقدرت على القيام به حق قيام، وأخذت الحوادث فاستقبلتها كما هي لا كما يجب أن تكون، ذلك هو السعيد الذي نرجو أن تكثر في العالم صورته، حتى لا تكون السعادة بالعلة أو بالجمود وعدم المبالاة، بل لتكون السعادة في العمل لخير الإنسان وبالعمل لرقي الإنسان.
الرجل الصريح1
إذا كنت تقابل الناس بأكثر من المعروف هشا وبشا وتلطفا وتسوم طبعك المزح الذي ليس من خلقك ليقول عنك الناس ما ألطفه وما أرق حاشيته، فإنك بذلك توشك أن تعد في ضمن المخادعين، وما أنت بالرجل الصريح.
إذا كتبت أو خطبت فأخفيت ما تعتقد لتظهر ما لا تعتقد مجاراة لرأي الناس، فما أبعدك عما يشخص الرجل الصريح.
Bilinmeyen sayfa