assent
ومجاله علم المنطق. وعنه استمد التدريبات الفلسفية التي تترجم هذه المباحث النظرية إلى سلوك وأفعال.
ثمة تناقضات في فكر ماركوس النظري أشرنا إليها في مواضعها . غير أن ما يعنينا من «التأملات» ليس المذهب النظري بل الحكمة العملية. ولعل هذه التناقضات عينها هي ما أضفى على «التأملات» جاذبية باقية على مر العصور، وحفظ لها مكانها الراسخ في «الفلسفة الخالدة»
philosophia perennis ، فلو أن ماركوس ظل متسقا مع نفسه إلى نهاية الشوط لما خرج علينا إلا بمذهب رواقي متحجر، يولد ميتا، أو يزول على أفضل تقدير بزوال مبرراته التاريخية. يقول رسل: «إن منطق المدرسة الرواقية قد أفضى إلى مذاهب متصلبة هذبتها إنسانية أتباعها، الذين كانوا أفضل حالا بكثير مما كان يمكن أن يكونوا عليه لو أنهم كانوا متسقين مع مذهبهم.»
6
لعلها فرصة لمدح التناقض!
أليس التناقض، أحيانا، أنبل وأحمد من التمادي في الاتساق حيث يفضي الاتساق إلى نهايات وبيلة؟ أليس التطرف المقيت، أحيانا، هو ثمرة التعنت في الاتساق والتشبث به إلى نهاية الشوط؟ يبدو أن ذكاء الفكر لا يستغني عن ذكاء الشعور، كما يقول السيكولوجيون هذه الأيام، ويبدو أن من اعتاد الفضيلة ولم يحد عن سواء الفطرة يعرف بالسليقة متى يتمسك بالاتساق ومتى يدعه، ويعرف أن لكل قاعدة شواذ ولكل تعميم «مقيدات»
qualifications ، وأن الفضيلة شيء علوي لا يصطدم بغثائنا الأرضي ولا يعرفه. يقول ماركوس في «التأملات»: «أعلى وأسفل، هنا وهناك، تمضي حركة العناصر. أما حركة الفضيلة فلا تتخبط هكذا أبدا؛ فهي شيء أكثر قدسية، وعلى طريق ليس من السهل تبينه تمضي قدما في غبطة» (6-17).
توفي ماركوس في معسكره على جبهة الدانوب في السابع عشر من مارس عام 180م، وقد ناهز التاسعة والخمسين، تاركا في خاتمة التأملات أذانا برحيله: «أيها الإنسان الفاني، لقد عشت كمواطن في هذه المدينة العظيمة. ماذا يهم إذا كانت هذه الحياة خمسة أعوام أو خمسين؟ على الجميع تسري قوانين المدينة. فماذا يخيفك في انصرافك من المدينة؟ إن من يصرفك ليس قاضيا مستبدا أو فاسدا، إنها الطبيعة ذاتها التي أتت بك. إنها أشبه بمدير الفرقة الذي أشرك ممثلا كوميديا في الرواية وهو يصرفه من المسرح. - ولكني لم أمثل مشاهدي الخمسة، مثلت ثلاثة فقط. - حقا، ولكن في الحياة قد تكون ثلاثة مشاهد هي الرواية كلها.
استئناف الحياة إنما يحدده الكائن الذي ركبك أول مرة والذي هو الآن يفنيك، وما لك من دور في أي من العلتين، اذهب بسلام إذن؛ فالرب الذي يصرفك هو في سلام معك» (التأملات: 12-36).
Bilinmeyen sayfa