Sinanthropus
الذي عثر عليه الحفريون بجوار بكين، وزعم بعضهم أنه هو الحلقة المفقودة بين القرد والإنسان، وقدروا أنه عاش في تلك البقاع قبل مئات الألوف من السنين، فإنهم يقولون إن في السلالة المغولية مشابه من إنسان بكين في خصائص الجمجمة والأسنان لا توجد عامة شائعة بين جميع السلالات البشرية، وإن الجنس المغولي قريب إليه؛ لأنه تطور منه مباشرة في مدى التاريخ المجهول.
وقد أسلفنا أن وحدة التاريخ والثقافة أقوى من وحدة السكن والسلالة؛ لأن اختلاف التاريخ والثقافة قد جعل من السلالة المغولية الواحدة شعوبا متفرقة يعادي بعضها بعضا ويتعالى بعضها على بعض تارة بصفات الحضارة وتارة بصفات الفطرة والفروسية.
فالجنس المغولي، الذي أقام في البلاد المخصبة بين غرب الصين وجنوبها، قد شملته ثقافة واحدة منعزلة بين ثقافات الأمم الإنسانية؛ حيث كانت من أمم الشرق والغرب أو أمم الشمال والجنوب، فلا توجد لغة كاللغة الصينية ولا كتابة مثل كتابتها، ولا تشبه هذه اللغة فروعا من اللغة المغولية الأخرى كاللغة التركية أو لغة القبائل في آسيا الشمالية. فهذه الفروع تتولد فيها الكلمات باللصق والإلحاق، ولكن اللغة الصينية يتوقف فيها معنى الكلمة على ترتيبها في الجملة وعلى اختلاف نغمتها الصوتية، وكتابتها كذلك كتابة رمزية صوتية وليست كغيرها من الكتابات التصويرية أو المقطعية الحرفية.
هذه الوحدة الثقافية تساندها الوحدة التاريخية في عصور بالغة في القدم، فإن تاريخ الصين الصميمة واحد منذ تلك العصور التي يتداخل فيها الزمن المجهول والزمن المعلوم، بل هو واحد قبل أن تصبح أقطار الصين دولة متحدة، فإن وحدة الدولة ووحدة التاريخ شيئان مختلفان، فإذا شمل التاريخ عشرة أقطار ينازع بعضها بعضا فذلك تاريخ واحد، وإذا توحدت الدولة وتعاقبت عليها ثقافات متعددة فتلك عدة تواريخ.
وقد مضى تاريخ الصين القديمة على وتيرة واحدة بثقافة واحدة، حتى في الطوارئ العارضة على حكومتها حقبة بعد حقبة، فإنها يشبه أن تكون دورة واحدة تتكرر على نسق واحد، فلا يشعر الناس بالغرابة عند قيام دولة وسقوط أخرى؛ لأنها تجري على النحو الذي تعودوه وانتظروه وتوارثوا رواية أخباره حتى كاد أن يتساوى فيها العلماء والجهلاء.
تقوم الدولة حتى ينهكها الترف وسوء الحال في الرعية، فتسقطها ثورة من تلك الرعية أو غارة من أهل البداوة المحيطين بها على تربص الطامع الذي ينتهز الغرة، وهكذا تتعاقب الحكومات الوطنية وغير الوطنية، فما قام به ثائر من الرعية فهو حكم وطني، وما قام به مقتحم من الشمال أو الغرب الجنوبي حيث تحوم القبائل المتربصة فهو حكم أجنبي، وتكررت علامات السقوط حتى أصبحت من العلامات التي يسهل التنبؤ عنها قبل وقوعها، فما استقرت قط حكومة حاربها الأساتذة والفلاحون، وما سقطت قط حكومة أيدها هؤلاء وهؤلاء؛ لأن الأساتذة هم ملاك الدواوين والإدارة في تلك الأقطار الشاسعة، والفلاحين هم الطاعمون المطعمون، فإذا تعطلت الدواوين وتعطلت موارد العيش فلا بقاء لدولة قائمة، وإذا انتظمت الدواوين وطعم الفلاح وأعطى الشعب طعامه، فلا ضير على الدولة القائمة وإن عدا عليها المغير من خارجها، فإنها تدفعه فلا يشق عليها دفعه عن أرض لا عون له فيها.
قام على حكم الصين على هذه الوتيرة نحو عشرين أسرة، من عهد السادة الخمسة إلى عهد أسرة المانشو التي سقطت في سنة 1912، وقامت على آثارها الجمهورية.
ولكن الصين لم تحكمها دولة واحدة إلا في عهد الأسرة الرابعة وهي أسرة شو، التي تولت الحكم من سنة 1122 إلى سنة 225 قبل الميلاد، ولم تتمكن من توحيدها إلا قبيل سقوطها بزمن وجيز، ومن نقائض التاريخ أن هذا التوحيد قد مهد لسقوط الأسرة من حيث لا تحسب؛ لأنها وزعت نبلاءها على الأطراف ليحكموها ويصدوا غارة المغير عنها، ونجح هذا التوزيع في أيام قوة الدولة وقوة العاهل الأكبر؛ لأنه كان يدعو إليه الولاة كل سنة ليحاسبهم على أعمالهم في ولاياتهم، وكان يخرج للطواف كل خمس سنوات على جميع الولايات، فانتظمت الدولة وكانت هيبتها في نفوس الكبار والصغار زاجرا للولاة ومهيمنا على سيرتهم الظاهرة والباطنة في أقصى الأطراف.
فلما ضعفت الحكومة المركزية زادت في ضعفها جرأة الولاة عليها، فوثبت على العرش أسرة جديدة هي أسرة شين، وافتتحت عهدها بالقضاء على نظام الإقطاع، وخطر لعاهلها القوي «شين شيه هوانج تي» أن يستعيض من قوة الولاة في الأطراف بقوة الحجر والقرميد، فبنى حائط الصين المشهور لصد الغارات عنها من الثغرات المفتوحة، وبالغت هذه الأسرة في تعقب البقايا المتخلفة من الماضي حتى أمرت بإحراق الكتب وتحريم النظر فيها، وقيل في وصف سياستها العجيبة أنها أقامت سورا بين الماضي والمستقبل كما أقامت سورا على مواقع الأرض بين الصين وجيرانها.
Bilinmeyen sayfa