وقد بنى بزوجته الثانية بعد التفاهم بينه وبين الزوجة الأولى على الانفصال في سلام، لتملك حريتها ولا تتقيد به وهو منفصل عنها، ونعم الزوج الكهل والزوجة الشابة بعيشة بيتية يضرب بها المثل في الوئام والمودة، وكانت شنج لنج على الرغم من اعتدادها باستقلالها وقدرتها على تحدي العرف ومشيئة الأسرة مثلا صالحا لزوجة الرجل السياسي المشتغل بالمسائل العامة، وقرينة الزعيم المهدد في مأمنه، فلم يدفعها الفضول مرة إلى استطلاع أمر لم يفاتحها فيه، ولم تحجم عن مواجهة الأهوال التي استهدف لها إبان الخلاف بينه وبين خصومه. وحدث بعد انتخابه للجمهورية للمرة الثانية أن العصاة قصدوا إلى منزله يحاصرونه ويطلقون المدافع على المنزل ومن فيه، وكان خبر الثورة قد نمى إليه قبل هجوم القائد الخائن ليلا بسويعات قليلة ، فأيقظ زوجته لتصحبه، ولم يبال فوات الوقت مع اقتراب الهجوم، ولبث يقنعها بالهرب وهي تقنعه بصعوبة خلاصهما معا ووجوب انطلاقه فردا وهو يتلمس مسالك النجاة. وكتبت هي بعد ذلك تصف تلك الليلة العصبية وصفا مسهبا نجتزئ منه بما يلي، وذلك إذ تقول:
حوالي الساعة الثانية من صباح اليوم السادس عشر من شهر يونيو - 1922 - أيقظني الدكتور من نومي وطلب مني أن أسرع باللبس والاستعداد؛ لأننا مهددون ولا بد لنا من الإسراع بالنجاة، وكان قد تلقى بالتلفون خبرا عن تأهب القائد شين للهجوم علينا، فأراد البدار إلى زورق مسلح نوجه منه رجالنا لمقاومة العصاة، ورأيت من التعويق له أن يرتبط بمصاحبة امرأة في مهربه، فألححت عليه أن يتركني إلى حين غير متوقعة عدوانا على شخصي وأنا على انفراد، وبدا له صوابي بعد برهة ولكنه لم يتركني مع هذا قبل أن يوكل بالبيت خمسين حارسا من أهل ثقته، ثم مضى منفردا ولم تمض نصف ساعة على انصرافه حتى سمعنا طلقات الرصاص، وصياح الصائحين، اقتلوا سن وين، اقتلوا سن وين ... ثم اقتربت الساعة الثامنة ونفدت ذخيرتنا أو كادت، فوقفنا إطلاق النار محتفظين بالبقية إلى اللحظة الأخيرة، ثم لاح لنا أن البقاء غير مجد، ونصح لي رئيس الفرقة بمغادرة المكان ووافقه الجنود على أن يبقوا حيث هم لصد كل مطاردة، وعلمنا أخيرا بمقتلهم جميعا. ... ومضت ساعات في الممر قبل أن نصل إلى حديقة ديوان الرئاسة، ولمحنا بعد نصف ساعة ومضة خاطفة وشطرا من القنطرة يتهدم وينقطع علينا من ثم سبيل العبور، واندفع العصاة نحو ديوان المالية ومكتب الرسوم الجمركية لينهبوهما، فانسللنا بين الزحام غير معروفين، وألفينا أنفسنا في زقاق بعيد من المشتغلين بالنهب والسلب، وكنت لا أقوى على السير من فرط الإعياء، فتوسلت إلى الجند الذين معي أن يطلقوا النار علي لأستريح، ولكنهم حملوني بين جثث القتلى ... ثم سدت طريقنا مرة أخرى، وتهامسنا إلا نجاة من هجمة الغوغاء المقبلين إلا بالرقاد على الأرض بين الجثث كأننا بعض الموتى، ثم تمكنت من الاستخفاء بملابس امرأة ريفية ، وعلمت بعد ذلك أن امرأتين مسكينتين قبض عليهما لأنهما تشبهاني، وبرحت كانتون عصر اليوم التالي، فلقيت الدكتور سن مساء ذلك اليوم على إحدى السفن بعد معركة حياة وموت وأسرعنا بالذهاب إلى هونج كونج مستخفين.
هذه حادثة من حوادث الزوجين في السنوات التسع التي ارتبطا فيها برباط الأسرة الوثيق، ولو تتبعنا أوقاتها من سنة 1915 إلى سنة 1924 التي ختمت بها أيام سن ياتسن لكانت أوقات الشدائد هي القاعدة الغالبة وأوقات الأمان هي الاستثناء النادر، وإن لم تكن كلها من قبيل هذه الشدائد الدامية.
فهما بين منفى واستخفاء وصراع ورحلة يلاحقهما الجواسيس والمتربصون وشغل من أشغال المنصب مرهق تنوء به الجبال.
والحياة الزوجية بين هذه المتاعب كل ثقيل أو معونة على الكلول والأثقال، ومن الحظ الحسن أنها كانت في حياة الزعيم المثقل بالأعباء معونة جاءت على حين الحاجة إليها، فكانت زوجته الفتاة المترفة الناشئة بين أحضان النعمة والدلال خير معوان له على مصابرة الحوادث، وعوضها حب الإعجاب والإكبار عن حب الغرام والفتنة، فهانت عليها المتاعب والأهوال رعاية للرجل الذي أعجبت به وأكبرته. ولعل الأزواج من أمثال سن ياتسن في عصره لم يرزق أحد منهم قرينة تضارع قرينته في ثقافتها واطلاعها على أسرار السياسة من حولها، فهي أحق زوجة أن تشارك زوجها في عمله وتقرن رأيها برأيه، ولكنها لم تسمح لنفسها أن تجاوز وظيفة الكاتب الأمين الذي يعمل ما يطلب منه عمله ويحضر ما يناط به تحضيره، ولزمت حدودها هذه طوال أيام حياته، ولم تخالف هذه الخطة إلا بعد وفاته بزمن طويل.
خالفتها كلما خطر لها أن أتباع الزعيم قد حادوا عن نهجه وانحرفوا عن سوائه، وسوغ مقامها ما لا يساغ من غيرها، فرفعت صوت المعارضة يوم خفت بين قومها كل صوت معارض، واستمعوه منها طوعا أو كرها، كأنه صوت الزعيم المقدس يرتفع بعد الممات.
من أعماله
في سنة 1912 ترددت البشائر بين أنحاء الكرة الأرضية بنجاح الثورة الصينية، وقيام الجمهورية مقام عرش ابن السماء.
وبعد ذلك بعشر سنين، حوصر زعيم الثورة وطوردت زوجته وتنادى العصاة بقتله، وتعالى الهتاف بموته حيث تعالى الهتاف له من قبل بالحياة والبقاء.
عشرون سنة مرت من فاتحة الجهاد في سنة 1892 إلى قيام الجمهورية في سنة 1912.
Bilinmeyen sayfa