Sultan Mehmed Fatih: İstanbul'un Fatihi
السلطان محمد الفاتح: فاتح القسطنطينية
Türler
كانت المجر مجاورة للدولة العثمانية من الجهة الشمالية الغربية، وكانت أقوى دولة مسيحية في وسط أوروبا من الناحية الحربية؛ فالشعب المجري ظل محتفظا - كالأتراك - بحيويته ونشاطه وقوته، وكان ملوكه يعتبرون أنفسهم زعماء المسيحية، وأصبحت المسيحية تعتمد على المجر إلى حد كبير في وقف تقدم الأتراك إلى وسط أوروبا.
ولكن هذه الدولة القوية لم تكن متفرغة تماما لهذه المهمة الخطيرة، فلقد كانت دائما مهتمة بمد نفوذها على ساحل البحر الأدرياتي؛ مما دعا إلى اصطدامها بجمهورية البندقية، ثم من ناحية ثانية كانت حكومة المجر قد وجهت عنايتها إلى القضاء على المنقسمين على الكنيسة الكاثوليكية، فكانت تعمل جادة على فرض نفوذها على الصربيين المجاورين لها حتى تستطيع أن تدخلهم في حظيرة الكثلكة وتخرجهم من الأرثوذكسية، وكرس الإمبراطور لويس حياته لخدمة ذلك الغرض ولم يقم بمساعدة الإمبراطور البيزنطي باليولوجوس؛ نظرا للاختلاف المذهبي، فأعطى العثمانيين فرصة لوضع أقدامهم في أوروبا.
ثم انشغلت المجر بمنازعاتها مع بولونيا ونضالها ضد التتار، ولقد حاول ملوك أنجو الذي حكموا المجر على عهد العثمانيين الأوائل إدخال العادات الغربية فخبرت هذه البلاد فوق مشاكلها الخارجية نضالا داخليا بين النظم المجرية الأصلية والنظم الغربية كما شغلت بمسائل النزاع على العرش، وأخيرا اختار الديت المجري الأمير سجسمند، ولكن عهده لم يكن عهد استقرار أو اطمئنان، فقامت الثورات في أوائل عهده وأخذ الترك يغيرون على حدود بلاده وخاصة بعد أن سقطت الصرب. كان على المجر أن تتخذ في أول الأمر ضد الأتراك خطة الدفاع ولكنها عادت فرأت أن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم، ولكن قوتها الحربية لم تكن تستطيع وحدها الوقوف أمام قوة الأتراك؛ ولذا طلبت النجدة من ألمانيا وفرنسا، ووجدت هاتان الدولتان تعززهما البابوية ضرورة تعضيد هذه الدولة التي يقع عليها عبء المحافظة على أبواب أوروبا الوسطى، وكانت نتيجة هذا الاتفاق موقعة نيكوبوليس في سنة 1396م، في هذه الموقعة قضى الأتراك على زهرة فرسان ألمانيا وفرنسا والمجر، وأصبح الترك سادة الدانوب الأدنى، وهرب سجسمند، ولولا مساعدة البندقية له على الهرب لوقع في يد الأتراك وهلك.
كان سجسمند من غلاظ القلوب، عاش حزينا محتاجا مضطهدا، ولم يكن محبوبا من شعبه، فقامت ضده المؤامرات والثورات وقبض عليه وسجن ثم أطلق سراحه فعاد إلى العرش، ولسوء حظ المجر انتخب ذلك الملك البائس في سنة 1411م إمبراطورا لألمانيا، فلم يعد للمجر كيان مستقل كامل وأصبحت مصالحها جزءا من مصالح العالم الألماني، وزادت مشاكلها وثارت المنازعات من جديد بين المجر وجارتها البندقية، خسرت فيها المجر دلماشيا.
ثم تعقدت المهزلة فاختير سجسمند ملكا لبوهيميا فتجمعت ثلاثة تيجان على رأس شخص ينوء تحت عبء تاج واحد ولا يحسن التصرف في أمور مملكة واحدة.
وزادت مشاغل سجسمند وكثر اضطراب الأمور عليه حين حاول القضاء على أتباع مذهب حنا هوس، وكانوا كثيرين في المجر لأنهم نادوا بالمساواة بين الناس، وبأن الملكية يجب أن تكون عامة.
وبالرغم من كل هذه المشاغل والمشاكل كانت المجر دولة قوية؛ أولا: لأن سجسمند اهتم بتحصين الحدود الجنوبية الملاصقة للأتراك وجعل مدينة بلغراد عند ملتقى الدانوب بالسافا حصنا منيعا من الطراز الأول. ثانيا: عملت النظم المجرية على وجود جيش دائم قوي يجتمع وقت الحاجة، ثالثا: اهتمت الحكومة بإنشاء أساطيل نهرية قوية في نهر الدانوب لحماية الحدود الجنوبية. رابعا: تجمع النبلاء حول هونيادي وقبلوا زعامته مخلصين له الطاعة، وأخيرا: هاجر عدد كبير من الصربيين الأشداء إلى بلاد المجر وخدموا في الجيش المجري.
ومن أجل ذلك كانت المجر قادرة على الوقوف أمام العثمانيين مدة طويلة، في الوقت الذي لم يستطع فيه الإغريق والصرب والبلغار تحمل ضربات الأتراك القوية، ولكنها بصفة عامة لم تستطع بنجاح اتخاذ خطة الهجوم ضد الأتراك وتحملت الفشل المرير، حتى في أوج عظمة زعيمها القدير جانوس هونيادي الذي سجله التاريخ كأكبر عدو للأتراك، وأعظم وأقدر خصم قابلهم وجها لوجه في ميدان القتال.
تحت زعامة جانوس هونيادي ارتفعت المجر إلى مركز المدافع عن المسيحية أمام قوة الأتراك الجارفة، لقد كان هونيادي من الشبان الافلاقيين البارزين الأرستقراطيين الذين دخلوا في خدمة سجسمند، فأعجب بمقدرته أيما إعجاب، ورقاه في بلاطه واقترض الأموال منه ومنحه إقطاعات على الحدود المجرية العثمانية؛ الأمر الذي جعل لذلك الرجل مصلحة دائمة في مناضلة الدولة العثمانية ودفعها عن الأراضي المجرية. والواقع أن الحرب التي كانت سجالا بين المجر والأتراك قامت على أكتاف ذلك البطل.
لقد كان هونيادي رمز الفروسية المسيحية في ذلك الوقت، وبطلا من أعظم أبطال المجر، وزعيما كبيرا من زعماء المسيحية، عرف كيف ينظم الجيوش، وعظم اهتمامه بفن الحرب: مواقعها وأماكنها وحركاتها، أكثر مما اعتمد على الشجاعة وحدها أو الحماس الحربي، وهو رجل تحت المتوسط في الطول، أبيض الشعر، له ضفائر طويلة فضية ووجه ممتلئ بالدم والحيوية، وعيون سوداء قوية مبتسمة، لقد كان فارس الأفلاق الأبيض - كما كان يطلق عليه - خصم الأتراك العنيد في ميدان الحرب وميدان السياسة.
Bilinmeyen sayfa