131

وبلغت البالغات في تهويل هذه الاخبار بين حلقات هذا الجيش رقمها القياسي. وفي هذا الجيش كثرة ساحقة من رعاع أهل السواد ومن اخلاط الناس ومختلف الاحزاب. وفيه الى هؤلاء وأولئك البهاليل من الهاشمين اليمامين ، والكتل المخلصة من ربيعة وهمدان.

وكادت الرجة العاتية أن تجتاح المعسكر ، لولا هذه الاطواد الراسية في مختلف أكنافه ، الاطواد التي كانت تتكسر على صخرتها شتي المحاولات التي كان يتسرع اليها المتوثبون الى الفتنة.

اما الحسن نفسه ، فقد قابل هذه المزعجات بالامل الذي يعمر القلوب القوية والنفوس الخالدة ، وكان يرى ان الاخفاق في ظرف خاص أو مكان خاص ، لا يعني الحرمان من الازدهار والاثمار اخيرا في ظرف لا يجب ان يكون هو بشخصه صاحبه ، ولكن « بمبدئه » ، وثمة نقطة التركز في أهداف الحسن مخفقا او منتصرا وثمة مركز التجلي « الرباني » الذي تنشق عنه الانسانية في شخصية هذا الامام الروحي ، بأفضل ما قدر لها من مراتب الانسياح في ذات الله ، والفناء في سبيل الله.

ثم انه لم يزل على نشاطه الموفور ، في تدوير دولاب حركته وجهاده وجيوشه ، رغم ما كان يحسه من وميض الفتنة الذي أخذ يستعر تحت رماد الاحدات المتعاقبة بين يديه. ولم يسمع منه كلمة واحده تتجاوز به الى جحمة غضب ، أو تدل بحدتها على ما كان يشيع في نفسه من بلاغة الخطب ، وروعة التشاؤم ، والنقمة على الوضع ، اللهم الا كلماتة التوجيهية التي كان يقصد بها تدريب جماهيره على النظام ، وتعليمهم الاتزام بقواعد « الجهاد » في الاسلام.

ودار بوجه الى كوفته ، كأنه يتذكر شيئا ، أو يستعرض اشياء عقت الكوفة بها أياديه عندها وأيادي أبيه من قبل. وكان ابوه هو باعث مجدها ، ومؤسس كيانها المستطيل الشامخ ، الذي باتت تتمتع به كأعظم حاضرة في العالم الاسلامي ، تلتقي عندها حضاراته ، وتثوب اليها شعوبه من مختلف

Sayfa 151