وأقبل عبد المنعم على مجلس الشيخ علي المنوفي ناظر مدرسة الحسين الأولية، فنهض الرجل لاستقباله - وقد نهض معه جميع الجلوس حوله - وتعانقا، ثم جلس الشيخ وجلسوا وهو يتساءل متفحصا عبد المنعم بعينيه الحادتين: لم نرك أمس؟ - المذاكرة .. - الاجتهاد عذر مقبول ، وما لأخيك قد تركك وذهب؟
فابتسم عبد المنعم ولم يجب، فقال الشيخ علي المنوفي: ربنا الهادي، لا تعجبوا له. لقد صادف مرشدنا كثيرين من أمثاله هم اليوم من أشد المخلصين لدعوته؛ ذلك أن الله إذا أراد لقوم هداية فلن يكون للشيطان عليهم من سلطان، ونحن جنود الله، ننشر نوره ونحارب عدوه، وهبنا أرواحنا له من دون الناس، فما أسعدكم جنود الله ..
وقال أحد الجالسين: ولكن مملكة الشيطان كبيرة!
فقال الشيخ علي المنوفي معاتبا: انظروا إلى من يخاف دنيا الشيطان والله معه! ماذا نقول له؟ نحن مع الله والله معنا فماذا نخاف؟ من من جنود الأرض يتمتع بقوتكم؟ وأي سلاح أحد من سلاحكم؟
الإنجليز والفرنسيون والألمان والطليان جل اعتمادهم على الحضارة المادية، أما أنتم فاعتمادكم على الإيمان الصادق، إن الإيمان يفل الحديد، الإيمان أقوى قوة في العالم، املئوا قلوبكم الطاهرة بالإيمان تخلص الدنيا لكم ..
فقال آخر: نحن مؤمنون، ولكننا أمة ضعيفة.
فكور الشيخ قبضته وشد عليها وهو يهتف: إذا كنت تستشعر ضعفا فإيمانك يعتريه نقص وأنت لا تدري، الإيمان خالق القوة وباعثها، إن القنابل تصنعها أيد كأيدينا وهي ثمرة القوة قبل أن تكون من مسبباتها، كيف انتصر النبي على أهل الجزيرة؟ وكيف قهر العرب العالم كله؟
فقال عبد المنعم بحماسة: الإيمان .. الإيمان ..
غير أن صوتا رابعا تساءل: ولكن كيف كان للإنجليز هذه القوة وهم قوم غير مؤمنين؟
فابتسم الشيخ متخللا لحيته بأصابعه وهو يقول: لكل قوي إيمانه، إنهم يؤمنون بالوطن وبالمصلحة، أما الإيمان بالله؛ فهو فوق كل شيء، وأحرى بالمؤمنين بالله أن يكونوا أقوى من المؤمنين بالحياة الدنيا، فتحت أيدينا نحن المسلمين ذخيرة مدفونة يجب أن نستخرجها، يجب أن يبعث الإسلام كما بعث أول مرة، نحن مسلمون اسما فيجب أن نكون مسلمين فعلا. لقد من الله علينا بكتابه فتجاهلناه فحقت الذلة علينا، فلنعد إلى الكتاب، هذا هو شعارنا، العودة إلى القرآن، بذلك نادى المرشد في الإسماعيلية، ومن ساعتها ودعوته تسري في الأرواح، غازية القرى والدساكر حتى تملأ القلوب جميعا .. - ولكن أليس من الحكمة أن نتجنب السياسة؟ - الدين هو العقيدة والشريعة والسياسة، إن الله أرحم من أن يترك أخطر أمور الإنسانية دون تشريع وتوجيه، وهذا في الواقع هو درسنا الليلة ..
Bilinmeyen sayfa