فقال عبد المنعم بلهجة اليقين التي اشتهر بها: فاروق غلام، ليس له دهاء أبيه ولا نابه الأزرق، فإذا سارت الأمور سيرا حسنا، فنجحت المفاوضات، وعاد الوفد إلى الحكم، فسوف تستقر الأمور وينقضي عهد المؤامرات، .. المستقبل حسن فيما يبدو .. - والإنجليز؟ - إذا نجحت المفاوضات انقلب الإنجليز أصدقاء، وبالتالي ينقطع التحالف القائم بين السراي والإنجليز ضد الشعب، فلا يجد الملك بدا من احترام الدستور .. - الوفد خير من غيره .. - بلا شك، إنه لم يحكم طويلا حتى يعرف مدى قدرته، وقريبا تكشف التجربة عن إمكانياته الحقيقية، إني أوافقك على أنه خير من غيره، ولكن طموحنا لن يقف عنده! .. - طبعا، إني أومن بأن حكم الوفد نقطة ابتداء حسنة لتطور أعظم، وهذا كل ما هنالك، ولكن هل نتفق مع الإنجليز حقا؟ - إما الاتفاق وإما العودة إلى عهد صدقي، في أمتنا احتياطي من الخونة لا ينفد، كل مهمته دائما تأديب الوفد إذا قال الإنجليز «لا»، وإنهم لفي الانتظار وإن انضموا اليوم إلى صفوف الأمة، صدقي ومحمد محمود وغيرهما في الانتظار، هذه هي المأساة ..
وعندما بلغا السكة الجديدة وجدا نفسيهما فجأة أمام جدهما أحمد عبد الجواد الذي كان متجها صوب الصاغة، فتقدما إليه، وسلما عليه بإجلال، فسألهما باسما: من أين وإلى أين؟
فقال عبد المنعم: كنا نتفرج على جنازة الملك فؤاد ..
فقال الرجل دون أن تفارق الابتسامة شفتيه: سعيكما مشكور!
ثم صافحهما ومضى كل إلى حال سبيله، وأتبعه أحمد نظره قليلا، ثم قال: جدنا ظريف وأنيق. لقد ملأ أنفي شذا طيبا .. - نينة تروي عن جبروته الأعاجيب .. - لا أظنه جبارا، هذا شيء لا يصدق.
فضحك عبد المنعم قائلا: إن الملك فؤاد نفسه بدا في أواخر عهده لطيفا طيبا ..
وضحكا معا. ومضيا إلى قهوة أحمد عبده. وفي الحجرة المواجهة للنافورة رأى أحمد شيخا مرسل اللحية حاد البصر يتوسط جمعا من الشبان يتطلعون إليه في اهتمام، فتوقف وهو يقول لأخيه: الشيخ علي المنوفي صديقك، أخرجت الأرض أثقالها، ينبغي أن أتركك هنا ..
فقال له عبد المنعم: تعال اجلس معنا، أحب أن تجالسه وتسمع له، ناقشه كيفما شئت، كثير ممن حوله من طلبة الجامعة ..
فقال أحمد وهو يخلص ذراعه من ذراع أخيه: لا يا عم، كدت مرة أشتبك معه في عراك، أنا لا أحب المتعصبين، مع السلامة ..
فحدجه عبد المنعم بنظرة انتقاد، ثم قال بحدة: مع السلامة، ربنا يهديك ..
Bilinmeyen sayfa