إذا تأمله العاقل علم أنه بعيد عن المعارضة، وهو بمعزل عن التشبيه بنظم القرآن العزيز والمناقضة، وقد وضعه على حروف المعجم، ففي كل حرف فصول وغايات، فالغاية مثل قوله بناج، والفصل ما يتقدم الغاية، فيذكر فصلا يتضمن التمجيد والمواعظ، ويختمه بالغاية على حروف المعجم مثل تاج وراج وحاج، كالمخمسات والموشحات، وهذه فصول منه، وقد انتقدت عليه.
لبك نبيك الصادق، فأنظر ما يخبرنك ولا تخالفنه، وعليك سجية المؤمن، وشاكه فنه، ما أثق بخبر ينفيه اللب. غير الكلم بغض وحب. اتبع معقولك فإنه يهديك، ولا تكن شر تبيع. كيف أسفك على الغصون الناضرة هزها نسيم لطف فذبلن. لو صدقنا المخبر لوقع الجد، ولكن بان كذبه لمن يعقل، فما أطاق الناس الكلف، وبالله الواحد أتعوذ من شر الألسنة وما أجلن: من زعم أنه قد هدى فذلك هو المرء المتحير. ما لعماك لحاه الله مانت الصمد أخباره: أخبرك زعيم عن ربك فخطت بالكذب أخباره؛ من ربح من سوق الكذب فذلك المعروف خساره: قد غبر قليل العمر، وذهب في الباطل ساره أجعل معقولك دليلك. وأبرد بالنسك غليلك، وأحذر أن تهضم دليلك. رب حديث يستمع والعقل يخبرك ضده. عز مصور الأمم لم يثبت الفكر نده. العقل نبئ، والخاطر خبئ والنظر ربئ، ونور الله لهذه الثلاثة معين. القوة بك إله الجبارين. أخبر عنك فسمعت الخبر، وكيف يظهر سرك إلى المخلوقين، ومنحتني حسا يشهد أن أخبارهم أباطيل، فإذا صدقتها ألغيت ما منتحتنيه وإن كذبتها أفمعاقبي أنت برد ما دفعه المعقول؟ كيف أصدق ما نقله أبن دأب. نستغفرك وأنت الواحد، ما لعظمتك جاحد. أخبر بعض الناس عنك فكذب؛ وأنت أهل العظمة ما أوجه الكذبة وضاء. ما نقدر على ما يرضيك. لأنا لا نعرف غرضك، لكن العقل يخبر أن فعل الخير لوجهك. إن كتب كاتب على فليحفظ عن لساني وشفتي، أني أقر بالله فلا أجحده، وأستغفره وأوحده، وأشهد على أن كان ذنبي بخطأ وتفريط لا أحسم أملي من عفو الله العظيم، وأزدري نفسي من دون الأنفس، وقل ما أنظر إلى البشر بازدراء، ما أنطق وما أقول، في شأن الصمد ضلت العقول، ما يئست من كرمك ولا أبلست، ألست عبدك ألست؟ بلى، ولكني مسيء، فلا إله إلا أنت استغنيت بمعرفتك عن كل السفراء؛ الحمد لك إذ لم تنشر لي حديثًا في البشر كحديث العبري إذ فعل مع الكنة فعل غير سري. تلتمس. من ربك، وليس في الأنوار المشرقة شيء أعظم إنارة من حجاك.
ولما اشتهر أمره وشاع ذكره، وخرج بأرض سلمية من عمل حمص في بني عدي قبض عليه أبن على الهاشمي في قرية يقال لها كوتكين، وأمر النجار بأن يجعل في رجليه وعنقه قرمتين من خشب الصفصاف، فقال المتنبي:
زعم المقيم بكوتكين بأنه ... من آل هاشم بن عبد مناف
فأجبتُه
1 / 34