Arap Halk Destanları
السير والملاحم الشعبية العربية
Türler
قال الراوي: «فكانت هذه أصوات بني كليب الذين أتوا في ملطية - كما ذكرنا - فساروا حتى أشرفوا على آمد فرءوا عساكر الروم في هذا الحال وخيامهم خالية من الرجال ففي هذه الساعة أوقد فيها النار وزعق الحصين، وقال: يا بني عمي دونكم والنفط، فأحرقوا الخيام والقوا أصحابكم أهل الإسلام، فما هم إلا في شدة عظيمة وإلا ما كانوا خرجوا في ظلام الليل، ثم إنه فرق عليهم النفط، وأمره بالتكبير والتهليل والصلاة على البشير النذير، وضربوا النفط في الخيام من كل جانب ومكان، ففي تلك الساعة عادوا الروم فزعين من النار من أهل البلد فرءوا النار في الخيام، فاندهشت عقولهم وتحيروا وساروا بين بحرين زاخرين وقد أخذهم الصياح من الجهتين، فوقع بهم الانبهار، هذا وقد فزعت الخيل من النار، فطلبت الفرار، فكان بعضهم لا يعرف الثاني من التهاب النار في الفارس والفرس، ومن وصل منهم إلى الخيام أخذوه بنو كلاب، ومنهم من يرمي نفسه إلى البلد من حلاوة الروح، وكان بالأمر المقدر أن تلك الليلة كانت كثيرة الأرياح، كما يشاء الملك الفتاح، فصارت النار تلتقطهم وتتعلق بأجسادهم وثيابهم، والأرض عليهم ضاقت وهم يتجرعون كأس المنون والمسلمون وقد اشتفت منهم الصدور وتوسلوا بالملك الغفور، وكلما طال الليل زاد لهيب النار وقد غضب عليهم الملك الجبار.»
قال الراوي: «فوالله ما طلع النهار وبقي من الكفار ديار ولا نافخ نار، وقد احترقت الملكة ملطية وجميع ما معها من البطارقة، والذي سلم منهم أسروه بنو كلاب فكان جملة الأسرى عشرين ألف أسير، وبقيت النار تلتهب إلى ضحى النهار، فتبادروا لها الناس بالطفي، وقد انطبقت الجبال والأحجار، وصارت البرية من حول آمد كأنها غمامة سوداء، هذا وقد أقاموا في طفي النار يوما وليلة حتى عبرت لهم بنو كلاب واجتمعت الأحباب بالأحباب، ودخلوا البلد فرحين بالنصر، وشكروا الله تعالى على النجاة، وقد حدثوا بنو كلاب الأمير عبد الله بقتل باغة وخلاص السبي وفتح ملطية، وقالوا: إننا قد عولنا الإقامة فيها، ونأكل حلالا طيبا من أموال الروم، ونعبد الحي القيوم، فقال لهم الأمير عبد الله: هذا هو الصواب، وما الأمر إلا أننا نكاتب أهلنا والأولاد، ونرسل من يأتي بهم إلى ههنا من أرض الحجاز، فقال الأمير مظلوم: أنا أمضي في نفر من بني عمي وآتيكم بكل ما يتعلق بكم وبنا وخلفائنا وخلفائكم، ولكن أريد الكتب إلى سائر بني سليم، فقال الأمير عبد الله: أنا أفعل ذلك.» (مع ملاحظة أنه من الثابت تاريخيا أنه عقب فتح مالطة عين الأمير عبد الله ابنه عمرا حاكما عليها، كما يذكر الطبري، إلى أن توفي عام 249 هجرية.)
قال الراوي: «ثم بعد أن تركوا البطارقة في الحبال وقد عرضوا عليهم الإسلام والفدا، فمن أسلم أطلقوه ومن أبى قتلوه ومن اشترى نفسه بالمال أبقوه، هذا وقد جمعوا الغنيمة وأخرجوا منها الخمس لبيت مال المسلمين وعزلوا للخليفة قسما، وقسموا الباقي على جميع المجاهدين بالسوية، وقد كتبوا إلى المنصور يبشرونه بالنصر ويعرفونه بما جرى وكيف ملكوا ملطية على يد الأميرة ذات الهمة وبني كليب، وقد تجهزوا جماعة مع الأمير مظلوم
4
وهم مائتي فارس وسار طالب العراق ومعه التحف والأموال والخمسين من الغنيمة.»
وعلى هذا النحو من الدقة تفرط السيرة مطولا في الكيفية التي كان يتبعها المسلمون الفاتحون، سواء فيما يتصل بالدعوة أو التبشير بالدين الجديد، أو فيما يتصل بكيفية وقواعد تقسيم الغنائم والأسلاب للبلاد المفتوحة.
بل إن سيرة ذات الهمة ستقف بنا مطولا في سردها للكيفية التي كان يتم بها اقتحام المعابد والأديرة والكنائس البيزنطية، ونهب كنوزها من تحف وجواهر وأيقونات وأعمال تحتية مكدسة منذ ما قبل مطلع القرون الوسطى.
والسيرة هنا تجيء متسقة مع التاريخ الفعلي المدون، لما يعرف بحروب الأيقونات ونهب كنيسة آيا صوفيا الشهيرة.
وهو ما سنتناوله في هذا الكتاب عن هذه السيرة التغلبية الفلسطينية، للأميرة ذات الهمة.
ولا يقتصر أمر اتخاذ أو اقتطاع أحداث وظواهر جانبية من ذات صلب السيرة أو الملحمة، على مثل هذه الأنماط الأدبية-الشفهية، بل قد يتصل الأمر بقضية - أو افتراض - منهج تثيره سيرة أو عمل عيني، مثل مدى المؤثرات الفارسية الآرية على سير وملاحم: فيروز شاه، حمزة البهلوان، عمر النعمان، عنترة.
Bilinmeyen sayfa