وأهله تأييدًا، وكُبِتَ أعداءُ اللَّه النصارى واليهودُ والمنافقون، وظهر دين اللَّه وهم كارهون، ونصر اللَّه دينه ونبيه ولو كره الكافرون" (^١).
عاد التتار بعد ذلك لغزو بلاد الشام في شهر رجب عام ٦٨٠ هـ، وأفسدوا في طريقهم ودخلوا حماة فقتلوا وأحرقوا، وكان المسلمون بقيادة السلطان المنصور سيف الدين قلاوون، فعسكروا بظاهر حمص (^٢)، فلما كان يوم الخميس رابع عشره التقى الجمعان عند طلوع الشمس، وكان عدد التتار على ما قيل مائة ألف فارس أو يزيدون، وعسكر المسلمين على مقدار النصف من ذلك أو أقل، وتواقعوا من ضحوة النهار إلى آخره، وكانت وقعة عظيمة لم يشهد مثلها في هذه الأزمان، ولا من سنين كثيرة. . واضطربت ميمنة المسلمين، وحمل التتار على ميسرة المسلمين، فكسروها وانهزم من بها، وكذلك جناح القلب الأيسر، وثبت الملك المنصور سيف الدين قلاوون في جمع قليل بالقلب ثباتًا عظيمًا، ووصل جماعة كثيرة من التتر خلف المنكسرين من المسلمين إلى بحيرة حمص، وأحدق جماعة من التتر بحمص، وهي مغلقة الأبواب، وبذلوا نفوسهم وسيوفهم في من وجدوه من العوام، والسوقة، والغلمان، والرجالة المجاهدين ظاهرها، فقتلوا منهم جماعة كثيرة، وأشرف الإسلام على خطة صعبة، ثم أن أعيان الأمراء ومشاهيرهم وشجعانهم. . . لما رأوا ثبات السلطان ردوا على التتار وحملوا فيهم عدة حملات فكسروهم كسرة عظيمة، فتمت هزيمتهم، وقتلوا مقتلة عظيمة تجاوز الوصف. . . فضربت البشائر على قلعة دمشق وسر الناس، وزينت القلعة والمدنية، وأوقدت الشموع" (^٣).
وفي عام ٦٩٩ هـ تواترت الأخبار بقصد التتر إلى بلاد الشام، وقد خاف الناس من ذلك خوفًا شديدًا، وجفل الناس من بلاد حلب وحماة، وخرج السلطان من الديار المصرية قاصدًا الشام، ولما وصل السلطان إلى وادي الخزندار (^٤) عند وادي سَلَمْيَة (^٥)، التقى التتار هناك يوم الأربعاء السابع والعشرين من ربيع الأول، فالتقوا معهم، فكَسَروا المسلمين، وولى السلطان هاربًا، وقد هرب جماعة من أعيان البلد وغيرهم إلى الديار المصرية، وكان سلطان التتار قد قصد دمشق بعد الوقعة، فاجتمع أعيان البلد والشيخ تقي الدين ابن تيمية
_________
(^١) انظر: البداية والنهاية لابن كثير (١٧/ ٣٩٩ - ٤٠٢).
(^٢) بلد مشهور قديم كبير مسوّر، وهي بين دمشق وحلب في نصف الطريق. انظر: نفس المصدر لياقوت (٢/ ٣٠٢).
(^٣) انظر: ذيل مرآة الزمان لقطب الدين اليونيني (٤/ ٩١ - ٩٥) والمختصر في أخبار البشر لأبي الفداء الأيوبي (٤/ ١٤).
(^٤) وادي يقع على بعد ثلاثة فراسخ من حمص. انظر: مسالك الأبصار في ممالك الأمصار لابن فضل اللَّه العمري (٢٧/ ٤٨٤).
(^٥) بلد من أعمال قنسرين بثغور الشام على طرف البادية، بينه وبين حمص مرحلة. انظر: الروض المعطار لمحمد الحِميري (١/ ٣٢٠).
1 / 22