Bukhnir'in Darwin Mezhebi Üzerine Yorumu
شرح بخنر على مذهب دارون
Türler
وإذا انتقلنا من الرأي المادي الديني في الشرق إلى الرأي المادي الفلسفي في الغرب، نجد أولا في بلاد اليونان جمهورا من الفلاسفة يعد واضع كل فلسفة، وقد ظهر في مدة نحو قرن ونصف من أول القرن السادس إلى زمان سقراط الذي ولد سنة 449 قبل المسيح. وجميع هؤلاء الفلاسفة اشتغلوا بمسألة تكوين العالم؛ ولذلك سموا كوسمولوجيين، وقالوا فيه بأسباب مادية طبيعية، وجعلوا أصل كل شيء من مادة أولى.
10
ولا أحد منهم ذكر التثنية التي وضعت بعد ذلك؛ أي الروح والمادة والجسد والنفس. وهم في كثير من المسائل متوافقون مع العلم الحديث؛ وسبب ذلك أن فلسفة اليونان لم تنشأ عن الثيولوجية، وإنما نشأت عن مراقبة أحوال الطبيعة. وأول فلاسفتهم على قول دونكر كان طبيعيا، وهو طالس من ميلت، واليونان يعتبرونه أبا الفلاسفة، وهو واضع أساس المدرسة اليونانية.
ولد طالس سنة 635ق.م، وقرأ أولا على الكهنة المصريين واطلع على حكمتهم، وعلل طغيان النيل بأسباب طبيعية، وقاس ارتفاع الأهرام من ظلها، وقسم السنة كالمصريين إلى 365 يوما، وأنبأ أهل وطنه بكسوف اعترى الشمس فانذهلوا من هذا الأمر جدا. ولم يتعلم من اليونان إلا أن القمر يستمد نوره من الشمس، وقد قدر أنه أصغر منها بسبعمائة وعشرين مرة. وقسم السماء إلى خمس مناطق، واعتبر النجوم أجساما شبيهة بالأرض، ولكنها ملآنة نارا. ورجع بقومه من سماء تصوراتهم الشعرية وقد ملئوها بالآلهة إلى عالم الحقيقة والوجود، ونفى الأرواح من الأرض، وقال: إن أصل كل شيء من الماء، وإن الأرض كروية وسابحة على الماء،
11
وإن الزلازل فيها من فعل هذا الماء تحتها.
وتابعه كثير من أهل وطنه، وبحث عن أصل الكون في المادة، ومنهم: أنكزيمندر (ولد 610ق.م) فصنع أول مقياس للوقت، ورسم البحر والأرض على لوح من نحاس أحمر؛ أي إنه أول من رسم خارتة جغرافية، واعتنى بضبط خطوط الانحناء للكواكب ومسافاتها ومساحتها. وزعم أن الأرض كقرص مستدير معلق في وسط الكون، وأن المخلوقات الحية فيها من أدنى الحيوانات البحرية حتى الإنسان تكونت بالتتابع. ولم يوافق طالس على أن الماء أصل كل شيء، بل أراد أن يجد شيئا أبسط، فجعل المادة نفسها قبل كل شيء، وأصل كل شيء، وقال: إنها غير متلاشية وغير متناهية، وإنها دون رقة الهواء، وأرق من الماء متحركة نامية من نفسها، قال: «إن المادة الأولى تشمل كل شيء، وتدبر كل شيء.» وقال أيضا: «كل شيء سيهلك ضرورة ويعود إلى حيث أتى.»
ثم جاء أنكزيمانيس، وهو الثالث من الفلاسفة الميلتيين، وأنكر على أنكزيمندر مادته الأولى أنها لا تقوى على توليد الحياة؛ لأنها ساكنة وأخذ يبحث عن مادة أخرى تكون أقبل لذلك، فرأى أن حياة الإنسان متوقفة على دوام نفسه، والإنسان يتنفس الهواء، فقال: إن الهواء إذن شرط الحياة في الإنسان والحيوان، وإنه إذا كانت الحياة تتوقف على الهواء في المخلوقات العليا، فبالأولى أن تكون كذلك في المخلوقات الدنيا، وإذا كان الهواء شرطا لها فيصح أن يكون سببا لها أيضا، فالهواء غير منظور ونفس الإنسان كذلك، والهواء يتحرك ونفس الإنسان كذلك، فربما كان الهواء نفس الإنسان ونفس كل حي في الطبيعة؛ ولذلك اعتبر النفس أو النسمة والحياة والنفس شيئا واحدا. وقال: إن الهواء ليس نفس الإنسان فقط، بل نفس العالم أجمع؛ أي إنه مادته الأولى وقوته الأولى كما هو ظاهر من قوله: «إنه كما أن نفسنا التي هي هواء تشملنا وتتسلط علينا، هكذا الهواء يشمل كل شيء.» فالهواء على رأي هذا الفيلسوف لا ينفك يتحرك، ولا يزال يتغير من مادة إلى مادة، ومن صورة إلى صورة، فإذا رق استحال إلى نار، وإذا تكثف استحال إلى غيم وماء وتراب وحجر، وإذا رق أيضا صير الحرارة، وإذا تكثف صير البرد. والأرض ليست سوى هواء متكثف، والأجرام السماوية اللامعة عبارة عن أجزاء تطايرت من الأرض، ولسرعة حركتها رقت فتولدت فيها الحرارة والنار.
فكم تقترب هذه الآراء الفلسفية التي لا تستند إلى شيء من المعارف الحقيقية في الطبيعة من نتائج العلم اليوم! ولا يخفى ما اقتضى للعلم من البحث والزمان الطويل حتى بلغ هذا المبلغ؛ فإننا نعلم اليوم كما كان يعلم طالس أن الأرض كرة، وأن كل شيء على سطح الأرض وفي السماء طبيعي. ونعلم كما كان يعلم «أنكزيمندر» أنه توجد مادة أولى أزلية لا تتلاشى فيها قوة الحركة والنمو، ونعلم كما كان يعلم «أنكزيمانيس» أن كل الأجسام هواء متكثف أو متلطف، ونظن نظيره أن أرضنا والأجرام السماوية متكونة من الهواء أو من مادة هوائية، ونحن نعتبر أيضا أن النيازك التي لا تزال تحصل في السماء أجسام من أصل هوائي أو غازي، تتكثف عند دخولها في الهواء، وتسخن، وتنقض على الأرض. ونعتبر الماء هواء متكثفا، ونعلل عن الحر والبرد بحركة انقباض وانبساط في المادة. ونعلم أيضا أن الغازات باجتماعها على ضروب من التركيب تفوق الحصر والعد، تؤلف جسدنا وكل الأحياء وسائر مواد الكون. نعم، إننا تقدمنا جدا عن الفيلسوف اليوناني، وصارت لفظة هواء عندنا أعم جدا مما كان يظنه؛ إذ صار عندنا مركبا ما كان عنده بسيطا.
ثم إنه بعد هؤلاء اليونان الذين لم يقتصروا على الفلسفة فقط، بل اعتمدوا أيضا على المراقبة، والذين أدخلوا في العلم القواعد الكبرى الثلاث: الماء والهواء والمادة، قامت المدرسة البيثاغوروسية التي أسسها بيثاغوروس (المتوفى سنة 540ق.م) وأصحاب هذه المدرسة لا يعدون من هذه الطبقة، فإنهم هم الذين أدخلوا الأشياء الغامضة في الفلسفة. وعوضا عن أن تكون قاعدتهم مراقبة الطبيعة كاليونان، كانت الاستناد إلى المسائل الحسابية، فبيثاغوروس رسم أركان الفلسفة المصرية الأربعة، وهي: المادة الأولى، والروح الأول، والخلاء، والزمان الأولين في واحد مربع. والبيثاغوروسيون اشتغلوا كثيرا بالحساب والهيئة والموسيقى، وقد وضعوا قضايا من مثل «جوهر كل شيء في العدد» أو «كل شيء عدد»، وهكذا أدخلوا أشياء كثيرة لا قياس لها في الفلسفة. وأفكارهم في التكوين غير واضحة على أن أحدهم أوكلوس لوكانوس قال ما معناه:
Bilinmeyen sayfa