143

Şerhu Akîdetü’t-Tahâviyye

شرح العقيدة الطحاوية

Soruşturmacı

أحمد شاكر

Yayıncı

وزارة الشؤون الإسلامية

Baskı

الأولى

Yayın Yılı

١٤١٨ هـ

Yayın Yeri

والأوقاف والدعوة والإرشاد

الْمَعْلُومِ أَنَّ الْأَنْعَامَ تَعْلُو فُحُولُهَا إِنَاثَهَا عِنْدَ الْوَطْءِ، وَيَنْزِلُ مَاءُ الْفَحْلِ مِنْ عُلْوٍ إِلَى رَحِمِ الْأُنْثَى، وَتُلْقِي وَلَدَهَا عِنْدَ الْوِلَادَةِ مِنْ عُلْوٍ إِلَى سُفْلٍ. وَعَلَى هَذَا فَيُحْتَمَلُ قَوْلُهُ، ﴿وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ﴾ (١): وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا، أَنْ تَكُونَ (مِنْ) لِبَيَانِ الْجِنْسِ. الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ (مِنْ) لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ. وَهَذَانَ الْوَجْهَانِ يُحْتَمَلَانِ فِي قَوْلِهِ: ﴿جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا﴾ (٢).
وَقَوْلُهُ: "وَصَدَّقَهُ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى ذَلِكَ حَقًّا" الْإِشَارَةُ إِلَى مَا ذَكَرَهُ مِنَ التَّكَلُّمِ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَإِنْزَالِهِ، أَيْ: هَذَا قَوْلُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَهُمُ السَّلَفُ الصَّالِحُ، وَأَنَّ هَذَا حَقٌّ وَصِدْقٌ.
وَقَوْلُهُ: وَأَيْقَنُوا أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْحَقِيقَةِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ كَكَلَامِ الْبَرِيَّةِ رَدُّهُ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ بِهَذَا الْقَوْلِ ظَاهِرٌ. وَفِي قَوْلِهِ: "بِالْحَقِيقَةِ"رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّهُ مَعْنًى وَاحِدٌ قَامَ بِذَاتِ اللَّهِ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ وَإِنَّمَا هُوَ الْكَلَامُ النَّفْسَانِيُّ، لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لِمَنْ قَامَ بِهِ الْكَلَامُ النَّفْسَانِيُّ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ: أَنَّ هَذَا كَلَامٌ حَقِيقَةً، وَإِلَّا لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْأَخْرَسُ مُتَكَلِّمًا، وَلَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ الَّذِي فِي الْمُصْحَفِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ هُوَ الْقُرْآنُ وَلَا كَلَامَ اللَّهِ، وَلَكِنْ عِبَارَةً عَنْهُ لَيْسَتْ هِيَ كَلَامَ اللَّهِ، كَمَا لَوْ أَشَارَ أَخْرَسُ إِلَى شَخْصٍ بِإِشَارَةٍ فَهِمَ بِهَا مَقْصُودَهُ، فَكَتَبَ ذَلِكَ الشَّخْصُ عِبَارَتَهُ عَنِ الْمَعْنَى الَّذِي أَوْحَاهُ إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَخْرَسُ، فَالْمَكْتُوبُ هُوَ عِبَارَةُ ذَلِكَ الشَّخْصِ عَنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى. وَهَذَا الْمَثَلُ مُطَابِقٌ غَايَةَ الْمُطَابَقَةِ لِمَا يَقُولُونَهُ، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُسَمِّيهِ أَحَدٌ أَخْرَسَ، لَكِنْ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْمَلَكَ فَهِمَ مِنْهُ مَعْنًى قَائِمًا بِنَفْسِهِ، لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ حَرْفًا وَلَا صَوْتًا، بَلْ فَهِمَ مَعْنًى مُجَرَّدًا، ثُمَّ عَبَّرَ عَنْهُ، فَهُوَ الَّذِي أَحْدَثَ نَظْمَ الْقُرْآنِ وَتَأْلِيفَهُ الْعَرَبِيَّ، أَوْ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ فِي بَعْضِ الْأَجْسَامِ كَالْهَوَى الَّذِي هُوَ دُونَ الْمَلَكِ هَذِهِ الْعِبَارَةَ.

(١) سورة الزُّمَرِ آية ٦.
(٢) سورة الشُّورَى آية ١١.

1 / 146