122

Sharh al-Fatwa al-Hamawiyya

شرح الفتوى الحموية

Türler

قول أهل السنة في العرش [وقال أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي زمنين الإمام المشهور من أئمة المالكية في كتابه الذي صنفه في أصول السنة قال فيه: (باب الإيمان بالعرش) قال: ومن قول أهل السنة أن الله ﷿ خلق العرش واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق، ثم استوى عليه كيف شاء كما أخبر عن نفسه في قوله: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه:٥] وقوله: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ﴾ [الحديد:٤] فسبحان من بعد وقرب بعلمه فسمع النجوى. وذكر حديث أبي رزين العقيلي: (قلت: يا رسول الله! أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ قال: في عماء، ما تحته هواء، وما فوقه هواء، ثم خلق عرشه على الماء) قال محمد: العماء السحاب الكثيف، المطبق -فيما ذكره الخليل -وذكر آثارًا أخر] . قوله: (باب الإيمان بالعرش)، هذا من كلام الشيخ ﵀، ومحمد بن عبد الله من أئمة المالكية، وهنا إثبات العرش لله ﷿، وتقدم بيان معنى العرش، وأنه في اللغة سرير المُلك، وأن الله جل وعلا خلق العرش واستوى عليه ﷾ بعد أن خلق السماوات والأرض، والعرش: هو من أعظم مخلوقات الله جل وعلا، وهو من أولها خلقًا، واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق، ثم استوى عليه كيف شاء كما أخبر عن نفسه، واستواؤه ﷾ حق على حقيقته كما أخبر ﷾ عن نفسه، ولا نحرف ذلك ولا نؤوله، ومن أثبت هذه الصفة من الأشاعرة ومثبتة الصفات يقولون: إنه استوى على عرشه، ويؤولونه بالاستيلاء، ولا يثبتون الاستواء الذي أثبته أهل السنة والجماعة على المعاني التي سبق ذكرها، وهي المعاني الأربعة وهي: (العلو والاستقرار، والارتفاع، والصعود) . قوله: (ثم استوى عليه كيف شاء كما أخبر عن نفسه في قوله: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [ط:٥] وقوله: ﴿ثم اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ﴾ [الحديد:٤] فسبحان من بعد وقرب بعلمه فسمع النجوى) هذا جمع بين النصوص، وأن قربه ﷾ من خلقه ليس منافيًا لعلوه؛ لأن كثيرًا ممن يتكلمون في نفي العلو يقولون: إن النصوص قد دلت على أنه قريب وقربه ينافي علوه، وهذا إنما دُخل عليهم فيه، وأتوا من قبل عقولهم الفاسدة، وإلا فإن الشيء يكون عاليًا ويكون قريبًا، والقرب الذي أثبته الله ﷾ لنفسه في كتابه، وأثبته له رسوله ﷺ في سنته هو قرب خاص، فقد قرر ذلك شيخ الإسلام ﵀، فهو ليس قربًا عامًا من جميع المخلوقات، أو من جميع الخلق، بل قربٌ خاص في أحوال خاصة، فهو ﷾ قريب من الداعي إذا دعاه، وقريب من أهل الموقف في يوم عرفة، وما أشبه ذلك من النصوص التي تفيد قربه. أما معيته فهو جل وعلا كما أخبر عن نفسه: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا﴾ [المجادلة:٧] فهو جل وعلا مع كل أحد بعلمه، لا تخفى عليه خافية. ثم قال: (وذكر حديث أبي رزين العقيلي قال: (يا رسول الله! أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ قال: في عماء)، وفسر الشيخ ﵀ العماء بأنه السحاب الكثيف: (ما تحته هواء، وما فوقه هواء) والهواء هنا المقصود به الفراغ كقوله جل وعلا: ﴿وأفئدتهم هواء﴾ [إبراهيم:٤٣] أي: خالية فارغة. ثم قال: (ثم خلق عرشه على الماء)، قال محمد: العماء السحاب الكثيف المطبق فيما ذكره الخليل)، يعني: في تفسير معنى العماء، (وذكر آثارًا أخر) في إثبات علو الله جل وعلا على خلقه.

15 / 7