قالت شجرة الدر: مولاي، ولكن تراث الخالدين من بني أيوب أمانة بين يديك، فهلا عهدت إلى أحد من أهلك يحفظ الأمانة بعدك؟
قال الملك وقد بدا في عينيه انكسار وحزن: فقد عهدت إليك يا شجرة الدر أن تسلمي البلاد للخليفة من بعدي،
6
فلا يتنازعها الأمراء حتى تذهب قوتها وتطأها خيل الصليبيين.
قالت مواسية: عمرك الله يا مولاي حتى تنجب وليا للعهد تنشئه على عينك وتهيئه لحمل أمانتك، ويمتد بك العمر حتى تراه يحكم باسمك فيحسن الحكم والسياسة؛ إنك يا مولاي لم تزل في ربيع الحياة، وإن الله لأبر بك!
الفصل الثالث عشر
مساومة على الموت!
جلس الأمير ركن الدين بيبرس ساهما قد توزعه الفكر وضاقت به مذاهبه؛ أكلما خيل إليه أنه قاب قوسين أو أدنى مما يأمل، تنكر له حظه واعترضت سبيله المقادير؟!
إنه لم يزل منذ سنين يرقب ذلك اليوم الذي يزف فيه إلى فتاته ليسعد إلى جوارها فترة من العمر في دار على النيل، تغني له ويستمع إليها هانئا نشوان، ولكن ذلك اليوم لا يريد أن يأتي، ولعله لا يأتي أبدا؛ فكلما بدا له أنه قريب قريب على مد يده، أو على مد عينيه، ماجت من حوله الأحداث فاحتملته أمواجها إلى بعيد، لا تناله يد ولا تمتد إليه عينان، فلا يزال مقبلا مدبرا بين الرجاء واليأس، وفتاته المحبوبة من دونها أسوار وحجب، قد حالت غيرة الأمير وتقاليد القصر بينه وبينها، فلا يكاد يراها أو يتحدث إليها ويستمع إلى حديثها إلا في الندرة النادرة، وفي العام بعد العام!
فبينما هو في مجلسه ذاك ساهما يفكر، إذ مثل بين يديه الأمير عز الدين أيبك، يدعوه إلى مقابلة شجرة الدر.
Bilinmeyen sayfa