قالت: لا عليك من ذلك يا خاتون، وإنما يشوقني حديث تلك الجارية، فنهضت خاتون لأمر سيدتها، ومالت شجرة الدر على مهد الطفل النائم تنشق من عبق أنفاسه روح الأمل. •••
وكانت جهان فتاة مشبوبة العاطفة مرهفة الحس، وقد نشأت جارية في بيت بني أيوب بالقاهرة، ولكن مكانة أمها من «ورد المنى» أم الأمير نجم الدين قد هيأت لها بين جواري الأمير منزلة خاصة فرضت عليها نوعا من الوقار والتزمت
3
حال بينها وبين كثير من مسرات الشباب، فظلت عذراء القلب، إلى عاطفة مشبوبة وحس مرهف، ثم تهيأت لها الفرصة ذات يوم للحديث إلى المملوك بيبرس، فسرى بينهما تيار الحب، وما كشف لها عن ذات صدره ولا كشفت له، ثم أغلق من دونهما الباب فما رأته ولا رآها من بعد، ووقع في شرك الحب قلبان لا يجدان وسيلة إلى اللقاء ولا سبيلا إلى السلوان!
ولم تكن الفتاة تدري بما يعتلج في نفس صاحبها من الهوى ولا كان هو؛ ولكنها من الوحدة والكتمان كانت أشب عاطفة وأشد قلقا، فالتمست أبا زهرة المنجم تستعينه على أمرها وتستنبئه أنباء الغد، فأنبأها ولم يزل لحديثه منذ ذلك اليوم حمرة في وجنتيها وبريق في عينيها، وعرفت خاتون من خبرها على لسان المنجم ما عرفت، فتحدثت به إلى مولاتها شجرة الدر. •••
قالت الأميرة: وإذن؛ فأنت على ثقة من حبه يا جهان!
فأنغضت رأسها وتضرجت وجنتاها من حياء ولم تجب.
قالت شجرة الدر: لا تراعي يا فتاة! إن بيبرس جندي من جند الأمير يرجى غده، وإنك لتعرفين مكانك من نفسي ومن نفس الأمير، فسيجتمع شملك ببيبرس وتكونين له ويكون لك، ولكن عليه قبل أن يظفر بهذه الأمنية أن يؤدي ثمنها!
ثم استضحكت وقالت: وفي دار على النيل يا جهان ليس مثلها في الأرض، يكون اجتماع شملك بمن تحبين، وتغنين له ويستمع إليك:
حبذا دار على النيل ...
Bilinmeyen sayfa