1
ولكنها فتاة من بنات حواء، قد اجتمع لها من خصائص الحسن النسوي ما تفرق في النساء ألوانا وفنونا؛ ففيها من كل جنس وليست إلى جنس، وإنها إلى ذلك لداهية أريبة، ذات تدبير وكيد وتحسن الخط والقراءة والغناء ... وما كانت تعلم عن ماضيها ونشأتها أكثر مما يعلم الناس، فقد أصبحت ذات يوم فإذا هي جارية في دار؛ وما كان أكثر الجواري اللاتي لا يعرف لهن آباء ولا أمهات ولا وطن في ذلك التاريخ البعيد! كالأعشاب الطافية تقذفها على الساحل موجة المد، لا يعرف أحد أين كان منبتها قبل أن يقذفها الموج على الساحل، ولا تعرف هي نفسها، وكان المغول مندفعين يومئذ في موجة اكتساح هائلة قد بدأت من أقصى المشرق، وقد طفا على ثبجها غثاء وعشب قد اجتثته من منابت متباعدة، ثم قذفته على الساحل.
وكانت طفلة حين احتملتها الموجة فرمت بها إلى حيث رمت، فلما بلغت سن التمييز عرفت نفسها جارية في دار، فأقامت بها حينا، ثم حملتها الأقدار على موجة ثانية، فرمت بها في دار غيرها لم يطب لها فيها المقام، فمضت على وجهها حتى التقطها جند الأمير نجم الدين، فنزلت عنده منزلا رحبا، وتفيأت ظلا ظليلا. •••
قال الأمير نجم الدين: ولكنك لم تذكري لي يا فتاة ما كان من خبرك في قصر الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، حتى آثرت الفرار إلى حيث التقطك عسكرنا!
فرفعت الفتاة إليه طرفا نديا، ثم أطرقت وتسابقت على وجنتيها الدموع، فدنا منها نجم الدين وضمها إليه في حنان وعطف، ثم أرسلها من بين يديه وهو يقول: لا عليك يا فتاة مما كان، ولن أهيجك بعد بذكره، فطيبي نفسا!
ثم خلاها بين يدي ماشطتها وخرج لبعض شأنه. •••
قال الطواشي بدر الدين صواب لمولاه وقد خلا لهما المجلس: كأن قد عرفت ما كانت تحرص الفتاة على كتمانه من خبر ماضيها، لقد اختار الله لك يا مولاي واختار لها.
قال الأمير في لهفة: ماذا عرفت من خبرها يا صواب؟
قال صواب: إنه تاريخ بعيد يا سيدي، أفضى إلي بسره جندي من الخوارزمية
2
Bilinmeyen sayfa