وكان دي جيش مولعا بعض الولع بعلم الفلك ولوع الكثير من الأشراف والنبلاء، الذين يزاولون بعض الفنون تجملا وتلهيا بدون أن يدركوا من أسرارها شيئا. فقال في نفسه: إن الرجل وإن كان مجنونا فهو واسع الاطلاع غزير المادة، واستهواه حديثه فبدأ ينصت له، واستمر سيرانو يقول: ... ولم أقلد أحدا من الطيارين الذين سبقوني، بل خطرت على بالي ست طرق لاختراق أطباق السموات لم تخطر على بال أحد من فحول علم الفلك ونوابغه، فدهش الكونت وقال: ست طرق؟ قال: نعم، هل تعدني أن تصغي إلي حتى أسردها عليك جميعها؟ قال: نعم أعدك بذلك، فتكلم وأوجز. قال: تعال إذن معي إلى هذا المقعد لنجلس عليه قليلا، فقد انتفض علي جرحي الذي في ساقي!
ثم جذبه من ردائه فأجلسه بجانبه وظل يقول له:
أولها:
أن أتجرد من ثيابي وأدير حول جسمي بضع قارورات بلورية ملأى بقطر الندى، ثم أقف تحت الشمس فتمد إلي خيوط أشعتها فتجذبني إليها ، كما هو شأنها في امتصاص الأبخرة والأنداء حين تشرق عليها.
وثانيها:
أن أعمد إلى صندوق كبير، فأفرغه من الهواء بواسطة حرارة المرايا المضلعة، ثم أملؤه بالأهوية المتصاعدة، وأجلس فيه فيصعد إلى العلا.
وثالثها:
أن أصنع جرادة من الصلب ذات أذرع كبيرة، وأضع في جوفها بارودا ملتهبا، ثم أمتطيها، فكلما فرقع البارود اندفعت صاعدة في جو السماء.
ورابعها:
أن أملأ «بالونا» بالدخان، والدخان كما تعلم يطلب العلا دائما، فأركبه فيصعد بي حيث أشاء.
Bilinmeyen sayfa