وهنا اضطربت روكسان، واشتد خفوق قلبها، وقالت بصوت خافت متهدج: «نعم، هذا هو الحب.»
قال: نعم، هو الحب الذي غالب قلبي حتى غلبه واتخذه أسيرا عنده، وهو حب شرس غيور، يتوقد حدة وحرارة، وإنه على ذلك متواضع بسيط، خال من الأثرة وحب النفس، إنني لا أستطيع أن أخلص لنفسي يا روكسان كما أخلص لك، إنني في سبيل هنائك أجود بهنائي كله وإن لم تشعري بذلك، حسبي من الدنيا أن أسمع من بعيد رنين ضحكاتك، فأعلم أنك سعيدة مغتبطة، وأن ما ضحيت به لك من سعادتي وهنائي كان هو السبب في هناء عيشك وراحة نفسك، كل نظرة من نظراتك تثير في فضيلة جديدة كانت كامنة بين أطواء قلبي لا أهتدي إلى مكانها، وتبث في نفسي خلق الشجاعة والإقدام، مم أخاف إن كنت راضية عني، وبم أعتبط إن كنت ساخطة علي؟ وهل الدنيا شيء سواك في إقبالها وإدبارها؟!
قالت: ما أعذب كلامك يا كرستيان! إن قلبي يخفق له خفقانا شديدا.
قال: أرأيت الآن كيف أن الكلمات الصادرة من القلب بلا تكلف ولا تصنع، لا يستطيع حائل أن يحول بينها وبين قلب سامعها؟ ألا تلمسين بيدك نفسي الحزينة، وهي صاعدة إليك في هذا الظلام الحالك؟ ألا تسمعين خفقان قلبي وهو يرن في جوف هذا الليل البهيم؟ آه! ما أحلى هذه الساعة وما أجملها! إنها الساعة الوحيدة التي ذقت فيها حلاوة السمر والمناجاة، ما كنت أصدق أن أقف يوما من الأيام هذا الموقف العظيم بين يديك: أتكلم وتسمعين، وأبثك ما في نفسي وتنصتين، ولم يبق لي من أرب في الحياة بعد اليوم، فليأت الموت إلي فقد بلغت جميع أماني وآمالي، ها هي ذي يدك ترتجف الآن من تأثير كلماتي كما ترجف الورقة الخضراء بين النسمات المتناوحة، ولقد نم عليك غصن الياسمين الذي تمسكين، فقد مشت فيه تلك الرجفة حتى وصلت إلى يدي!
ثم انحنى على طرف الغصن في يده فلثمه في صمت وسكون.
فقالت روكسان: نعم، إنني أرتجف وأبكي؛ وما بلغ امرؤ مني في حياته ما بلغت مني، ولقد سحرني حديثك وملك علي لبي حتى أصبحت أشعر أنني قد أصبحت ملك يدك، ولا شأن لي في أمر نفسي.
قال: فليأت الموت إلي إذن، فقد بلغت من حياتي ما كنت أرجو وأتمني، وليهنني أنني أنا الذي قدمت إليك بيدي تلك الكأس التي أسكرتك وأخذت بلبك، فلم يبق لي مما أتمناه غير شيء واحد. قالت: ما هو؟
وهنا نطق كرستيان وهو في مكانه تحت الشرفة بعد هذا الصمت الطويل، وقال: «قبلة!»
فذعر سيرانو وقال له بصوت خافت: لقد تسرعت في الطلب! قال: لا، إنها الآن ذاهلة مسحورة، فلأنتهز هذه الفرصة التي لا تواتيني في كل حين.
فقالت روكسان : ماذا قلت؟ فقال كرستيان: «أريد قبلة.»
Bilinmeyen sayfa