فكم ليلة قد بت أنعم جنحها
بمخصبة الأرداف مجدبة الخصر
نضت بردها عن غصن بان منعم
نضير، كما انشق الكمام عن الزهر
فجائع
جلس المعتضد في الصباح في حجرة نومه، وأطال نومه، وأطال الجلوس، ثم دعا صاعدا، وأمره أن يحضر ابنته بثينة، وكان شديد الكلف بها حتى أصبحت متعته الباقية من الحياة.
جاءت بثينة وخلفها جاريتها، وهي تثب وثبة الجذل وتصيح: أبي، أبي. ثم ألقت بنفسها بين ساعديه، وأخذ يقبلها في شغف وحنان، ثم مرت بيدها على لحيته تجتذب شعراتها في رفق، والمعتضد يعبث بخديها، ويمر بشفتيه حول عنقها وهي تضحك وتقهقه.
كانت بثينة في السادسة من عمرها بارعة الجمال، خفيفة الروح، لا تشبع العين من رؤيتها، وحين فرغ المعتضد من مداعبتها قال: ماذا كنت تعملين يا بنية؟ - كنت ألعب وأعدو خلف بنات القصر، وكانت جاريتي تنهاني عن الصياح والوثب، وتخوفني غضبك إذا سمعت صياحي. - لا تخافي يا حبيبتي، والعبي وصيحي كما تشائين ... آه يا بثينة ... ليتني ألعب وأصيح مثلك!! - لماذا لا تلعب يا أبي؟ تعال معنا فإننا قد عرفنا لعبة جديدة علمتنا إياها «جميلة» الإسبانية. - إن لي يا بنتي لعبا أخرى، ولكنها لا تضحك، وكثيرا ما تبكي!! - آه ... يجب أن تضحك يا أبي، فإني أراك دائم العبوس ... ثم لماذا يخافك الناس جميعا ولا أحس في نفسي خوفا منك؟! - لأنك صغيرة. - لا. إن جميع الأطفال في القصر يخافونك. - لأنهم يتشبهون بآبائهم وأمهاتهم. - ولم يخافك الآباء والأمهات يا أبي؟ - آه يا بنيتي!! لأنهم يخفون عني ما لو ظهر لطارت رءوسهم، ولو كان الناس جميعا في طهارتك ونقاء قلبك ما خافوني.
وفي تلك اللحظة، أعلن قدوم المعتمد، فدخل على أبيه في ثياب السفر، فقال له المعتضد: أحببت أبا القاسم أن تكون بجانبي وتحت عيني فدعوتك، أما هذا الشاعر المجتدي العربيد ابن عمار، فنفيته؛ لأنه ليس من أخدانك، ولا أحب أن أراه معك ... اذهب إلى أمك فلعلها في شوق لأن تراك.
قضى المعتمد أيامه في إشبيلية في فراغ ولهو، وعاد إلى مجالس أنسه، ومخالطة الأدباء والندماء، ومطارحة الشعر، ومغازلة الحسان.
Bilinmeyen sayfa