136

Series of Lanterns of Guidance

سلسلة مصابيح الهدى

Türler

مكانة عائشة عند الصحابة الكرام لقد عرف الصحابة رضوان الله عليهم لـ عائشة قدرها، فكانوا يتحرون بهداياهم لرسول الله ﷺ يوم عائشة، فإذا أراد صحابي أن يهدي إلى النبي ﷺ هدية أخرها إلى أن يأتي النبي بيت عائشة، فيذهب إلى النبي ﷺ ليقدم له الهدية في بيتها، والحديث رواه البخاري ومسلم. تقول عائشة ﵂: فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة -أي: اجتمع نساء النبي إلى أم سلمة - وقلن لها: يا أم سلمة! إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وإننا نريد الخير كما تريده عائشة، فمري يا أم سلمة رسول الله ﷺ أن يأمر الناس أن يعطوه الهدية حيث ما كان وحيث ما بات، فذهبت أم سلمة واشتكت إلى النبي ﷺ فأعرض عنها رسول الله، فلما عاد إليها في نوبتها الثانية ذكرت أم سلمة ذلك للنبي ﷺ فأعرض عنها رسول الله، فلما ذهب إليها في المرة الثالثة ذكرت أم سلمة ذلك للنبي ﷺ فقال لها: (يا أم سلمة! لا تؤذيني في عائشة، فوالله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها) . وفي رواية في الصحيحين: (أن زوجات النبي ﷺ أرسلن إليه مرة أخرى فاطمة -ابنته- رضوان الله عليها، فذهبت فاطمة إلى النبي ﷺ في بيت عائشة، فقالت له: يا رسول الله! إن أزواجك أرسلنني يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، فنظر إليها النبي ﷺ وقال: أي بنية؟ ألست تحبين ما أحب؟ قالت: بلى يا رسول الله، قال: فأحبي هذه) أي: عائشة ﵂ وأرضاها. ولذلك -أيها الأحباب- حملت شدة وشظف العيش أمهات المؤمنين ﵅ أن يطلبن من رسول الله أن يوسع عليهن في النفقة، والرسول ﷺ كما هو معروف لا يعيش عيشة الملوك والأكاسرة والقياصرة، وإنما يعيش الحبيب مع زوجاته عيشة متقشفة، فقد كان يمر على بيوت النبي ﷺ الشهر والشهران ولا يوقد في بيت من بيوت الحبيب نار -أي: لا يطهون طعامًا- فلما سئلت عائشة ﵂: فماذا كنتم تأكلون إذًا؟ قالت: كنا نعيش على الأسودين: التمر والماء. بل لقد ورد في صحيح مسلم: (أن النبي ﷺ خرج يومًا من بيته ما أخرجه من بيته إلا الجوع، فمر على أبي بكر وعمر، فسألهما: ما الذي أخرجكما؟ قالا: والله ما أخرجنا إلا الجوع يا رسول الله! فنظر إليهما الحبيب وقال: والله ما أخرجني إلا الذي أخرجكما) . اشتكى نساء النبي ﷺ هذه المعيشة وهذا الضيق، وسألن النبي ﷺ أن يوسع عليهن في النفقة، فغضب النبي ﷺ غضبًا شديدًا، واعتزل نساءه شهرًا كاملًا، إلى أن نزلت عليه آية التخيير من الله جل وعلا، فأمر الله نبيه أن يخير نساءه بين الدنيا وزينتها مع فراق رسول الله ﷺ، وبين الصبر معه على ضيق الحال مع الثواب العظيم في الدار الآخرة. تقول عائشة: فلما خير النبي ﷺ نساءه بدأ بي، كما ورد في صحيح البخاري ومسلم: (لما أمر رسول الله أن يخير نساءه أو أزواجه بدأ بي، فقال لي: يا عائشة! إني ذاكر لك أمرًا فما عليك ألا تعجلي حتى تستأمري أبويك -تقول عائشة بدلال: وقد علم أن أبواي لم يكونا ليأمراني بفراقه- تقول: فقرأ عليَّ النبي ﷺ آية التخيير ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:٢٨-٢٩]، فلما استمعت عائشة إلى هذه الآية قالت له: في أيّ شيء أستأمر أبواي يا رسول الله! فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة) . تقول عائشة: وفعل أزواج النبي ﷺ مثلما فعلت. وهذه -أيها الأحبة- منقبة عظيمة وفضيلة كبيرة لـ عائشة، تبين كمال عقلها، وصحة رأيها مع صغر سنها.

12 / 4