49

في سهرة من سهرات الصور المتحركة شاهدا رواية من روايات الغرام بين الكهول بطلها «أدولف منجو» الممثل المشهور بتمثيل هذه الأدوار، أو المشهور بقدرته على غزو قلوب النساء الناضجات.

وكان «منجو» بغيضا إلى همام كما هو بغيض إلى كثير من النظارة في دور الصور، فأراد همام أن يناوئ صاحبته وقال لها: أما والله إن النساء لسخيفات إن كان لمثل هذا الرجل هذه الحظوة عندهن.

فأجابته متحدية : ولم لا تكون له هذه الحظوة عند النساء؟ ألا تعجب المرأة إلا بفتى صبوح أو بفتى متين الأركان؟ هذا خطؤكم معشر الرجال، إن الفتيان الحسان الأشداء قد يفتنون المرأة، وقد يخلبونها، وقد يهيجون نفسها، ولكنهم لا يقربونها إليهم ولا إلى نفسها، إن أحدهم لينظر إليها كأنه غريب يمشي في بلد غريب يخشى أن يتقدم أو يتأخر، متهيبا يعديها بالتهيب فتقوم بينهما الحواجز والسدود ولا يسهل التقريب بينهما بعد ذلك.

أو ينظر إليها نظرة القانص الفاتك فيربكها ويزعزع شعورها ويوقع الهزيمة في سريرتها.

أما الرجل الخبير بالنساء من أمثال «أدولف منجو» فإنه ينظر إليها بعد أن نظر إلى مئات من قبلها، فإذا به يعرفها مكشوفة معراة من كل ستر ومن كل طلاء، وإذا بها تحس كل الإحساس أنه يعرفها كما تعرف نفسها في مخدعها، وإذا هي قريبة منه لا تحتاج إلى تقريب، بل قريبة منه بوحي لا تدركه ولا تلتفت إليه، قريبة منه كما يكون الرجل والمرأة في الخلوة بعد عشرة أعوام.

والرجل الخبير بالنساء يشبع منهن فيزهد فيهن ولا يتهالك عليهن، فإذا أحست المرأة بالفتور منه في الطلب والمغازلة خشيت أن تكون هي المعيبة المجفوة في نظره بالقياس إلى من عرف من النساء، ولم تتهمه في ذوقه بل اتهمت نفسها في جمالها و«جاذبيتها» كما هو دأب المرأة من سوء الظن بنفسها أمام هؤلاء الرجال، ونشأت عندها الرغبة في اجتذابه واستطلاع رأيه، واستسلمت له في سهولة وطواعية، لعلمها أن الحيلة معه لا تخفى عليه، بعدما شهد الكثير من حيل النساء.

هل بحثت سارة في هذا الموضوع بحث الفلاسفة؟ هل قرأته في كتاب من كتب الصور المتحركة؟ يجوز! ولكن فطنتها وحسن روايتها لما قرأت لا تزالان عجيبتين بين شبيهاتها من الفتيات.

وتمييزها لملامح الرجولة ومظاهرها تمييز لا يخطئ؛ لأنه أشبه بالغريزة التي لم تعرف غير الصواب، لأنها لم تعرف غير صواب واحد، كصواب النحلة في بناء الخلايا.

فالرجال الذين يشبهون النساء لا يستحقون منها حتى نظرة الزراية؛ لأنها لا تشعر لهم بوجود، وما عدا هؤلاء من رجال فهم نماذج عدة تبلغ المئات ولكنهم مشمولون جميعا في رجولة واحدة خلاصتها القوة والثقة والبروز، والطغيان القابل للرحمة والحنان، وقبس من أريحية الخيال، ونفحة من حماسة الروح تحسبان في الزينة عرضا ولا تضمنان الرجحان في الميزان.

ولهذا تضل بعض الطريق الذي تسلكه مع من تهواه ولو سلكته مرات في النهار؛ لأنها تلقي كل اعتمادها على صاحبها حتى لتكاد تنظر بعينيه وتمشي بقديمه، وأبغض من تبغض - وهي قارئة حصيفة - أولئك النسوة الثائرات على الرجال المطالبات بما يسمينه حقوق الحرية، فهي تقول إنها لو سئلت أن تكون رجلا ما قبلت، وأنها لو كانت تثور لثارت على الرجال لأنهم يستمعون إلى هذا الهراء.

Bilinmeyen sayfa