بأن مراد الله من عباده في الصلاة وإن كانت مؤقتة أن من لم يصلها في وقتها يقضيها أبدا ناسيا كان لها أو نائما أو متعمدا لتركها فهذا ظن محض منكم أن ابن عباس أراده، ومعلوم أن كلامه لا يدل على ذلك بوجه من وجوه الدلالة ولا هو يشعر به.
ولعل ابن عباس إنما سر بها ذلك السرور العظيم لكونه صلاها مع رسول الله ﷺ وأصحابه وفعل مثل ما فعلوا، وحصل له سهمان من الأجر كما حصل للصحابة وخص تلك الصلاة بذلك تنبيها للسامع أنها مع كونها ضحى قد فعلت بعد طلوع الشمس فلا يظن أنها ناقصة وأنها لا أجر فيها فما يسرني بها الدنيا وما فيها، وليس ما فهمتموه عن ابن عباس أولى من هذا الفهم، ولعله أراد أن ذلك من رحمة الله بالأمة ليقتدي به من نام عن الصلاة ولم يفرط بتأخيرها، فمن أين يدل كلامه هذا على أن سروره بتلك الصلاة لأنها تدل على أن من لم يصل وأخر صلاة الليل إلى النهار عمدا، وصلاة النهار إلى الليل أنها تصح منه وتقبل وتبرأ بها ذمته؟ وأن فهم هذا من كلام ابن عباس لمن أعجب العجب فأخبرونا كيف وقع لكم هذا الفهم من كلامه وبأي طريق فهمتموه؟.
فصل
وأما قولكم إن النسيان في لغة العرب هو الترك كقوله: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ إلخ. فنعم لعمر الله إن النسيان في القرآن على وجهين: نسيان ترك ونسيان نسيان سهو.
ولكن حمل الحديث على نسيان الترك عمدا باطل لأربعة أوجه:
أحدها: أنه قال: "فليصلها إذا ذكرها" وهذا صريح في أن النسيان في الحديث نسيان سهو لا نسيان عمد، وإلا كان قوله: "إذا ذكرها" كلاما لا فائدة فيه، فالنسيان إذا قوبل بالذكر لم يكن إلا نسيان سهو كقوله: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾، وقوله ﷺ: "إذا نسيت فذكروني".
الثاني: أنه قال: "فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها" ومعلوم أن من تركها عمدا لا يكفر عنه فعلها بعد الوقت إثم التفويت: هذا مما لاخلاف فيه بين
1 / 83