فنفرت من هذا الجواب، وكانت لا تزال قابضة على يده فتركتها وأعرضت بوجهها وهي تظهر الغضب، فتصدت الحاضنة ياقوتة وقالت: «ما هذا يا عماد الدين؟ تخاطبك مولاتي من الشرق فتجيبها من الغرب؟ ألم تفهم مرادها؟»
قال: «نعم فهمت، ويسرني رضاها عني وقد غمرتني بفضلها وإنعامها. ولكنني صنيعة السلطان صلاح الدين وأنا ذاهب في خدمته.» وتحول نحو سيدة الملك وقال: «لماذا غضبت مني يا سيدتي؟ إنما ألتمس رضاك؟»
فسرها عتابه، فالتفتت نحوه وعيناها تعاتبه وقالت: «لأني أخاطبك وأطلب الجواب عن نفسك فتجيبني عن صلاح الدين. ما لنا وله؟ دعه في سلطانه إنه لا دخل له في هذا الحديث. ألم تفهم؟»
فتحير عماد الدين في أمره وارتج عليه وعلم أنها لا تريد صلاح الدين، وأوشك أن يغلب على عقله. ومن الذي يقف هذا الموقف ولا يغلبه الهيام ويتسلط على قلبه؟ لكن عماد الدين كان قوي الإرادة شديد الاحترام لصلاح الدين، وكان تلك الليلة في شاغل عن كل شيء بأمر زعيم الإسماعيلية وسفره فتجلد ونهض بلطف وهو يقول: «قد فهمت يا سيدتي على قدر إمكاني، وإذا لم أفهم فلأني أرى نفسي لا أستحق هذه النعمة. وما زلت أرى مولاي صلاح الدين أحق بها. ولا تغضبي يا سيدتي، إن صلاح الدين لم تعرفيه، ولو عرفته لضربت بعماد الدين عرض الحائط. ومع ذلك فإني طوع أمرك ولكن ...»
فقطعت كلامه وتوجهت نحوه وهي تبتسم والدمع يتلألأ في عينيها وقالت: «لا تقل ولكن. بل قل إنك تطيعني فيما أطلبه.»
قال: «أطيعك في كل شيء، ولكن بعد رجوعي من هذا السفر. إن سفري لا بد منه وقد أقسمت أن أكون في صباح الغد خارج هذا البلد. ومضى بعض الليل وأنا لم أتحرك من مكاني. فبالله اسمحي لي بالانصراف الآن.»
فقالت والدهشة ظاهرة في وجهها: «تنصرف الآن، إلى أين؟»
قال: «إلى منظرة اللؤلؤة، ومن هناك أركب حالا وأسافر.»
قالت: «تسافر؟ ويلاه إلى أين؟»
قال: «في غرض يختص بمولاي السلطان.»
Bilinmeyen sayfa