أبطال الرواية
مراجع رواية صلاح الدين الأيوبي
1 - فذلكة تاريخية
2 - الخليفة العاضد وصلاح الدين
3 - أبو الحسن والحشاشون
4 - سيدة الملك
5 - عماد الدين
6 - الهكاري وقراقوش
7 - آخرة الفاطميين
8 - السلطان نور الدين
Bilinmeyen sayfa
9 - عند زعيم الحشاشين
10 - مقتل أبي الحسن
11 - هناء الحبيبين
أبطال الرواية
مراجع رواية صلاح الدين الأيوبي
1 - فذلكة تاريخية
2 - الخليفة العاضد وصلاح الدين
3 - أبو الحسن والحشاشون
4 - سيدة الملك
5 - عماد الدين
Bilinmeyen sayfa
6 - الهكاري وقراقوش
7 - آخرة الفاطميين
8 - السلطان نور الدين
9 - عند زعيم الحشاشين
10 - مقتل أبي الحسن
11 - هناء الحبيبين
صلاح الدين الأيوبي
صلاح الدين الأيوبي
تأليف
جرجي زيدان
Bilinmeyen sayfa
أبطال الرواية
الخليفة العاضد:
آخر الخلفاء الفاطميين.
ست الملك:
أخت العاضد.
السلطان صلاح الدين الأيوبي.
نجم الدين:
والد صلاح الدين.
بهاء الدين قراقوش:
وزير صلاح الدين.
Bilinmeyen sayfa
عماد الدين:
من خاصة صلاح الدين.
عيسى الهكاري:
من خاصة صلاح الدين.
أبو الحسن:
محتال طامع في الخلافة.
السلطان نور الدين زنكي:
صاحب الشام.
راشد الدين سنان:
زعيم الإسماعيلية (الحشاشين).
Bilinmeyen sayfa
مراجع رواية صلاح الدين الأيوبي
هذه المراجع التي اعتمد عليها المؤلف في تأليف الرواية ووقائعها التاريخية:
تاريخ ابن الأثير.
تاريخ الدولة السلجوقية.
تاريخ التمدن الإسلامي لجرجي زيدان.
الهلال، مجلد 19.
تاريخ المقريزي.
طبقات الأطباء.
حسن المحاضرة.
تاريخ مصر الحديث لجرجي زيدان.
Bilinmeyen sayfa
كتاب الروضتين.
ابن خلكان.
Burckhardt, Travels in Syria and Holy Land, London, 1822, 10 .
الفصل الأول
فذلكة تاريخية
كان دخول مصر في حوزة الفاطميين أو العبيديين سنة 358ه. على يد القائد جوهر، فبادت بذلك دولة الإخشيد وخرجت مصر من حوزة الدولة العباسية؛ لأنها كانت في زمن الطولونيين والإخشيديين - مع استقلال هاتين الدولتين بالحكومة - تحت رعاية الخليفة العباسي في بغداد، فكان هو يثبتهم على الإمارة ويبعث إليهم بالخلع أو بكتاب التولية (الفرمان) على نحو ما كان يفعل السلطان العثماني بأمراء مصر، أما إدارة الحكومة الداخلية وسائر أعمالها فكان يجريها الأمير الطولوني أو الإخشيدي مستقلا دون مراجعة بغداد، وهو يشبه ما يعبر عنه كتاب هذا العصر بالاستقلال الإداري، على تفاوت في درجات ذلك الاستقلال.
فلما دخلت مصر في حوزة الفاطميين تغيرت حالها السياسية وأصبحت دولة مستقلة استقلالا تاما، لا تراجع أحدا ولا تعترف بسيادة أحد غير الخليفة الفاطمي المقيم بالقاهرة.
وهي أول مرة استقلت فيها مصر بالسيادة بعد الإسلام. وبقيت الخلافة العباسية في بغداد كما كانت، وظهرت الخلافة الأموية بالأندلس في بني مروان. فأصبحت المملكة الإسلامية يتنازعها ثلاثة خلفاء، كل منهم يجعل لنفسه الحق في الخلافة الحقيقية وينكرها على الآخرين. وكان النزاع على أشده بين خليفة بغداد وخليفة القاهرة. كما كان بينهما اختلاف في المذهب، فالخلافة العباسية سنية، بينما الفاطمية شيعية. وهو في أصله تنازع سياسي أدخلوا فيه الدين وسيلة لتأييد دعواهم.
والدولة الفاطمية أول دولة شيعية تسمي ملوكها بالخلفاء. وعاصرتها دولة أخرى شيعية في العراقين وفارس، وهي الدولة البويهية، لكن ملوكها لم يسموا أنفسهم خلفاء ولا ادعوا نسبا قرشيا يؤهلهم لذلك، بل حافظوا على الخلافة العباسية مع اعتقادهم أن أصحابها اغتصبوها من مستحقيها. وإنما استبقوها ليحكموا بها العامة، وأشار بعضهم على معز الدولة البويهي بعد قيام الدولة الفاطمية أن ينقل الخلافة إلى الفاطميين أو غيره من العلويين فاعترض عليه بعض خاصته قائلا: «ليس هذا برأي فإنك اليوم مع خليفة تعتقد أنت وأصحابك أنه ليس من أهل الخلافة، ولو أمرتهم لقتلوه مستحلين دمه. ومتى أجلست بعض العلويين خليفة كان معك من تعتقد أنت وأصحابك صحة خلافته، فلو أمرهم بقتلك لقتلوك.» فرجع معز الدولة عن عزمه.
استقرت الخلافة الفاطمية بمصر، والخلفاء العباسيون في بغداد، وأتباعهم السنيون في أنحاء العالم ينكرون على الفاطميين صحة انتسابهم إلى فاطمة الزهراء وهم لا يبالون. وإنما كان يهمهم تأييد سلطانهم بالسيف والدهاء ولا سيما في أوائل دولتهم. فإن المعز لدين الله لما بنى له جوهر مدينة القاهرة ودعاه إليها خرج الناس للقائه، فاجتمع به أناس من الأشراف وفيهم عبد الله بن طباطبا المشهور، فتقدم إلى الخليفة المعز وقال له: «إلى من ينتسب مولانا؟» فقال له: «سنعقد مجلسا نجمعكم فيه ونسرد عليكم نسبنا.» ولما استقر المعز في القصر جمع الناس في مجلس عام، وجلس لهم وقال: «هل بقي من رؤسائكم أحد؟» قالوا: «لم يبق معتبر.» فسل سيفه وقال لهم: «هذا نسبي.» ونثر عليهم ذهبا كثيرا وقال: «هذا حبسي.» فقالوا جميعا: «سمعنا وأطعنا.»
Bilinmeyen sayfa
وقد توالى على مصر الفاطميين أحد عشر خليفة، حكموا مائتي عام ونيفا (من سنة 358 حتى 567ه). أولهم المعز لدين الله، وآخرهم العاضد لدين الله. ومرت الدولة في أثنائها بثلاثة أدوار: كانت في أول أمرها قائمة بالعرب والبربر وهم الذين فتحوا مصر مع جوهر، فكان النفوذ مشتركا بين هذين العنصرين. ثم صار إلى البربر، ثم إلى الأتراك. كما انتقل النفوذ في الدولة العباسية من العرب والفرس إلى الأتراك.
وكان السبب في تكاثر الأتراك بمصر أنه لما مات الخليفة الحاكم بأمر الله وخلفه ابنه الظاهر لإعزاز دين الله سنة 411ه أكثر من اللهو والقصف، ومال إلى الأتراك والمشارقة فانحط جانب البربر، وما زال قدرهم يتناقص حتى كاد يتلاشى. فلما ملك المستنصر سنة 427ه بعد الظاهر، كانت أمه سوداء فاستكثرت في جنوده من العبيد أبناء جلدتها حتى بلغوا ألف عبد أسود. وكان ابنها يستكثر من الأتراك، فأصبح الجند طائفتين كبيرتين تتنافسان وتتسابقان إلى الاستئثار بالنفوذ، وإلى التنافس إلى حرب أتعبت مصر واضطر الخليفة إلى استنصار صاحب الشام فأتاه أمير الجيوش بدر الجمالي من سوريا، وهو أرمني الأصل، فقتل أهل الدولة وأقام بمصر جندا من الأرمن والأتراك، وصار معظم الجيوش منهم، وذهب نفوذ البربر وصاروا من جملة الرعية ولم يبق لهم شأن في الدولة بعد أن كانوا وجوهها وأكابر أهلها.
وكان السلاجقة في أثناء ذلك قد غلبوا على العراق وفارس، وذهبت دولة آل بويه وضعف أمر الشيعة هناك، وولي السلاجقة مماليكهم وقوادهم (الأتابكة) على الولايات، واستقل كل منهم بولايته، ومنهم نور الدين زنكي في الشام. وكان في جملة قواد نور الدين جماعة من شجعان الأكراد، منهم: نجم الدين أيوب، وأخوه أسد الدين شركويه، وقد بلغنا عنده منزلة رفيعة. وكانت خلافة مصر قد أفضت سنة 556ه إلى العاضد لدين الله بن يوسف، وكان ضعيف الرأي، وقد غلب وزراؤه على دولته وتنافسوا في الاستئثار بالنفوذ وطال تنافسهم حتى خربوا البلاد، والخليفة لا يستطيع عملا.
وكان في جملة المتنافسين وزير اسمه «شاور» غلب على أمره، فذهب إلى نور الدين زنكي واستنجده على رجل آخر كان ينافسه في الوزارة، فاغتنم نور الدين تلك الفرصة للاستيلاء على مصر، وأنجده بأسد الدين شركويه في جند من المماليك، فرد الوزارة إلى شاور، وصار هذا يدفع ثلث خراج مصر إلى نور الدين.
وكانت الحروب الصليبية في تلك الفترة قد احتدمت فزاد تدخل نور الدين في شئون مصر، ونائبه فيها شركويه ومعه ابن أخيه «يوسف ابن نجم الدين» وهو صلاح الدين الأيوبي.
ومات شركويه بمصر سنة 564ه فخلفه صلاح الدين في منصب النيابة وسمي وزيرا، فاتخذ صلاح الدين ذلك وسيلة إلى الاستقلال بسلطنة مصر لنفسه. وهو ما تبسطه هذه الرواية.
الفصل الثاني
الخليفة العاضد وصلاح الدين
قال العم حسن لعمر المكاري: «انهض يا أخي، أما كفاك نوما والقاهرة تضج والناس يتراكضون؟ قم وانج بحمارك.»
فأجاب عمر قائلا: «إلى أين؟ ولماذا؟ هل أحرقوا القاهرة كما أحرقوا الفسطاط؟ أم هناك ضريبة جديدة علينا؟ تركت مواقف القاهرة وأتيت بحماري إلى هذا الموقف خارج باب الفتوح لأتخلص من عدوانهم وعدوان الأتراك والأكراد و...»
Bilinmeyen sayfa
فقاطعه العم حسن بقوله: «اسكت يا عمر، إن هؤلاء الأكراد كل الخير منهم. هل نسيت ما كنا نقاسيه من العذاب قبلهم حتى إن أحدنا لم يكن يتحرك ما لم يضربوا عليه ضريبة؟ ومن كان يجسر أن يذكر أبا بكر أو عمر رضي الله عنهما؟»
قال: «صدقت. إن والدي ندما على تسميتي بهذا الاسم! لكن ماذا جرى الآن يا عم حسن؟ هل نقدر أن نتحرك وها أنت ذا تقول لي: «قم انج بحمارك».»
قال: «أقول ذلك؛ لأن الخليفة العاضد لدين الله خارج من قصره في موكبه، وستتبعه طائفة من الأتراك وغيرهم، فربما سطا أحدهم على حمارك فيركبه. وربما أخذه لنفسه!»
قال: «الخليفة خارج من قصره؟ وأين نحن وقصره؟ إننا خارج القاهرة!»
قال: «إنه آت إلى هنا وسيخرج من باب الفتوح هذا.»
قال: «من هذا الباب؟ إلى أين؟»
قال: «إنه خارج لاستقبال نجم الدين أيوب.»
قال: «الخليفة خارج من القاهرة لاستقبال نجم الدين؟ من هو نجم الدين هذا؟»
قال: «هو والد صلاح الدين بن يوسف، جاء من الشام لزيارة ابنه.»
قال: «الله الله يا دنيا! الخليفة أمير المؤمنين ابن بنت الرسول، وظل الله في الأرض، يخرج من قصره إلى خارج بلده لملاقاة والد وزيره! متى كان الخلفاء الفاطميون يفعلون ذلك يا عم حسن؟»
Bilinmeyen sayfa
قال: «تغيرت الأحوال يا صاحبي. إن الخليفة لم يبق له من الخلافة إلا الاسم، وصار النفوذ إلى هذا الكردي. مسكين العاضد!»
قال: «مسكين؟ بل نحن المساكين، ولعل هذا الكردي أحسن منه.»
قال: «الكردي؟ أحسن من الخليفة؟ لا ...»
قال: «وما الذي يصيبنا من هؤلاء الحكام؟ إنهم يختصمون على الاستبداد فينا، وماذا يهمني إن كان حاكمي كرديا أو عربيا أو هنديا. إنما المهم ألا يظلمني ... أليس كذلك؟»
قال: «اسكت، إنهم قادمون، ألا تسمع الأبواق والصنوج؟ انج بحمارك، أو خبئه في مكان وتعال.»
قال: «ها أنا ذا ذاهب وسأرجع إليك على عجل لأرى موكب الخليفة. لقد طالما سمعت بهذا الموكب وما يحف به من الفرسان وما يلبسه الخليفة من الجواهر والحرير و...»
قال: «أنا في انتظارك.»
قال: «لا. لا. الأحسن أن تتبعني أنت لتضع الحمار في هذا البيت، ثم نصعد إلى سطحه فنكون أقدر على المشاهدة وأبعد من الخطر.»
قال: «إذن هيا بنا.»
ولما صعدا إلى السطح وأشرفا على الموكب قال عم حسن: «إنهم قادمون من القصر. وبعد قليل يصلون إلى باب الفتوح هذا فنراهم وهم خارجون. ألا تسمع الضوضاء وقرقعة اللجم؟» قال: «نعم أسمع، وأخاف أن يكون علينا خطر.» قال: «لا خطر، أراك تخاف من خيالك.» قال: «لا تؤاخذني يا عم حسن، إن الملدوغ يخاف من جرة الحبل، وهؤلاء الجنود لم يخرجوا بمثل هذه الحركة إلا تعدوا علينا وأخذوا دوابنا.»
Bilinmeyen sayfa
قال: «أتى الموكب، انظر نظرة عامة إليه في هذا الشارع الداخلي قبل خروجه.»
قال: «إني أرى الأعلام تخفق، والخيول تصهل، والرماح تتلألأ، والسيوف تلمع، والشارع يموج بمن فيه كالنيل في فيضانه. يا حفيظ! أشكرك يا عم حسن على هذه الفرجة ... قل لي الآن وقد أخذوا يخرجون من باب الفتوح، من منهم هو الخليفة؟ هل هو هذا الراكب على هذا الفرس الأشهب وعليه الثياب القصبية؟»
قال: «يظهر أنك لم تشاهد أحدا من رجال الدولة في حياتك. إن الذين يتقدمون موكب الخليفة كثيرون. وهل تظن الخليفة يلبس القصب؟ إنه لباس بعض أتباعه. أما الذين تراهم في مقدمة الموكب فهم الأمراء وأولادهم وأخلاط من العسكر، ووراءهم أرباب القصب ثم أرباب الأطواق والأساتذة وهم أكبر رجال الدولة. انظر إلى ألبستهم الفاخرة التي تأخذ بالأبصار وإلى سروج خيولهم المفضضة ومن في ركابهم من الخدم الأتراك وغيرهم. إن ذلك كله ليس شيئا بالنظر إلى موكب الخليفة. انظر. انظر، هذا هو موكب الخليفة عند تلك المظلة.»
قال: «إن المظلة تغطيه فلا أراه جيدا. وإنما أرى فرسه وما يحدق بها من الأعلام والفرسان بجانبه، من هم؟»
قال: «لا تستعجل في الاستفهام. إن الموكب يسير ببطء وأنا شارح لك كل شيء. هل ترى فرس الخليفة؟ تأملها جيدا إن سرجها من الديباج الأحمر مصوغ بالذهب ومنزل فيه الميناء، ولو تأملت مقدم السرج لرأيت عليه أحجارا كريمة. وفي عنق الفرس قلائد الذهب، ولو استطعت النظر إلى قوائم الفرس لرأيت حولها الخلاخل الذهب. ويقدرون كل فرس بما عليها من العدة بألف دينار، وأفراس الوزراء والأمراء أيضا في مثل هذا الترتيب وهي كلها في الأصل هدية من الخليفة يهبها لأمرائه في الأعياد.»
قال: «هنيئا لك يا عم حسن، لا بد أنك ذقت الركوب على هذه الأفراس وأنت من غلمان القصر الكبير.»
قال: «ذقت يا بني أشياء كثيرة كدت أنساها الآن. ورأيت جواهر ومصوغات تبهر العقل. فكيف بما يلبسه الخليفة؟ انظر إلى هذه المظلة فإنها تشبه الهرم بشكلها وهي من الديباج الأزرق السماوي وثوب الخليفة تحتها في هذا اللون أيضا. ولو كانت حمراء لكان ثوبه أحمر. انظر إلى الأهلة الذهبية التي تتدلى من حواشي المظلة وكيف أن أضلاع المظلة أو قوائمها ملبسة بالذهب. وفي قمتها رمانة ذهب كبيرة فوقها رمانة ذهب صغيرة مرصعة بالجواهر. انظر إلى لمعانها فإنه يخطف البصر.»
قال: «صحيح. ولكني لا أرى حامل المظلة. وكيف يستطيع حملها وهي ثقيلة؟»
قال: «إن حاملها راكب فرسه بجانب فرس الخليفة. وللمظلة قناة يركزها ذلك الفارس في قربوس فرسه. وهمه في أثناء الركوب أن يراقب موقف الخليفة من جهة الشمس بحيث لا تقع أشعتها عليه.»
قال: «وماذا يحدث إذا وقعت الأشعة عليه؟ ها أنا ذا أرى رأس الخليفة، فإن صاحب المظلة انحرف عنه. ما هذا الذي على رأسه؟» قال: «تمهل لأتم حديثي. انظر إلى هذه العمامة على رأس الخليفة فإنها بيضاء وشكلها إهليجي. وفي أعلاها فوق الجبهة حلية بشكل الهلال من ياقوت أحمر ليس له مثال في الدنيا، وفي وسط الهلال جوهرة عظيمة مشهورة يقال لها اليتيمة لا يعرف لها قيمة. ويقال إن وزنها 7 دراهم ووزن الهلال كله 11 مثقالا وبدائرة اليتيمة قصبة زمرد ذبابي له قدر عظيم.»
Bilinmeyen sayfa
قال: «يا حفيظ! يا حفيظ! أتكون مثل هذه الجواهر عند هذا الرجل بلا فائدة والناس في مملكته يتضورون جوعا وهو يأخذ أموالهم ظلما! آه يا عم حسن لقد أوجع قلبي هذا المنظر!»
قال: «اسكت يا شيخ إن النعم من عند الله يؤتيها من يشاء. ولعلك لو عرفت ما في قلب هذا الخليفة لم تحسده على هذه الجواهر. لكن ما لنا ولهذا الآن. اسمع، ألا ترى الفارس الذي إلى يسار الخليفة وفي يده منديل أبيض؟»
قال: «نعم أراه، ماذا يوجد في هذا المنديل؟» قال: «في هذا المنديل الدواة الثمينة التي هي من أعاجيب الزمان، فإنها من الذهب وحليتها من المرجان. انظر إلى يمين الخليفة تر فارسا آخر يحمل سيفا حليته من الذهب مرصعة بالجوهر، وهو معمد لا يظهر إلا رأسه وحامله يقال له «حامل السيف» وهو من أصحاب الرتب العالية. وانظر إلى حوالي فرس الخليفة فإنك تجد عشرات من الصبيان وعليهم المناديل وأوساطهم مشدودة بمناديل وفيها السيوف، وفي أيديهم الحراب مشهورة، وهم بجانبي الخليفة كالجناحين. وبينهما فسحة أمام وجه الفرس ليس فيها أحد. وبالقرب من عنق الفرس صقلبيان يحملان المذبتين وهما مرفوعتان كالنخلتين لذب ما يسقط من طائر أو غيره.»
قال: «إني أرى فارسا فخما يذهب ويجيء إلى يسار الموكب ويأمر وينهي، من هو؟»
قال: «هذا والي القاهرة يحافظ على ترتيب الموكب ليسهل مروره ويمنع الازدحام. انظر إلى الذين وراء دابة الخليفة. هناك جماعة من الصبيان يقال لهم صبيان الركاب يحملون الصماصم المصقولة المذهبة بدل السيوف المحدبة، وبأيديهم الدبابيس من الكيمخت الأحمر والأسود ورءوسها مدورة مضرسة، وبعضهم يحملون عمد الحديد وبين أيديهم لواء الحمد المختص بالخليفة وحوله 21 راية على كل منها كتابة بالحرير تختلف ألوانها، أما الكتابة فهي «نصر من الله وفتح قريب» ألم تقرأها؟»
فضحك عمر وقال: «من أين لي ذلك؟ إن أهلي لم يضعوني في الأزهر؛ لأن التعليم على مذهب الشيعة وأهلي سنيون.»
فقطع العم حسن كلامه وقال: «فالآن صرت تقدر أن تتعلم؛ لأن صلاح الدين جعل التعليم فيه عاما لكل المذاهب.»
قال عمر: «لقد تأخر علي بهذه النعمة، وهل بعد الأربعين من العمر تعليم؟ لنترك ذلك لأولادنا. قل لي من هذا الذي أراه؟ إن موكبه لا يقل عن موكب الخليفة في شيء وأرى عليه لباسا أفخر من لباسه!»
قال: «هذا هو يا صاحبي صلاح الدين الوزير. وهذا الثوب الذي عليه هو خلعة السلطة خلعها عليه هذا الخليفة نفسه ثلاث سنوات. وهي كما ترى عمامة بيضاء من نسج تنيس. لها طرف مذهب وتحتها ثوب ديبقي بطراز ذهب. وكذلك الجبة التي عليه فإن طرازها من الذهب، وفوق ذلك طيلسان مطرز بالذهب. وانظر في عنقه هل ترى العقد؟ إنه من الجوهر يساوي عشرة آلاف دينار، وإلى جانبه سيف محلى بخمسة آلاف دينار، وتحته فرس قيمتها ثمانية آلاف دينار. وعليها سرج مذهب وفي رأسها مائتا حبة جوهر، وانظر إلى قوائمها فإن حولها أربعة عقود جوهر وعلى رأسها قصبة بذهب وفيها شدة بياض بأعلام بيض. هذا هو صلاح الدين. إن منظره يدعو إلى الهيبة أكثر من منظر الخليفة. انظر إلى هيبته وكيف أن الشجاعة ظاهرة في وجهه ولا يراه إنسان إلا احترمه وخافه. والحق يقال إن الأمور الآن في يديه، وهو الآمر الناهي كما قلت لك. وانظر إلى الرجال المحيطين بموكبه، وفيهم قوم يقال لهم صبيان الزرد من أقوياء الأجناد يختارهم لنفسه. وهم مئات يمشون إلى الجانبين وبينهم فسحة أمامه مثل فسحة الخليفة. وراءه الطبول والصنوج والصفافير ألا تسمع صوتها يدوي به البر؟ ووراء موكب الوزير يأتي حامل الرمح. تأمله فإنه رمح لطيف في غلاف منظوم من اللؤلؤ وله سنان قصير بحلية من الذهب. ومعه درقة بكوامخ يقولون إنها درقة حمزة بن عبد المطلب، رضي الله عنه.»
كان عمر الحمار يسمع كلام صديقه العم حسن وقد أخذته الدهشة، فلما سمع قوله درقة حمزة بغت وقال: «درقة حمزة؟! حمزة بن عبد المطلب عم النبي
Bilinmeyen sayfa
صلى الله عليه وسلم ؟!»
قال: «نعم هكذا يقولون. وقد آن لي أن أختصر لك الوصف؛ لأن الموكب لا يزال طويلا. فانظر إلى ما وراء موكب الوزير إنك تجد فرقا من الأجناد المختلفة زمرة زمرة في عدة وافرة على أربعة آلاف. ثم أصحاب الرايات ووراءهم طوائف من العسكر على اختلاف أجناسهم الأتراك والأكراد والديلم وغيرهم.»
فقال عمر: «قف بالله قليلا وأخبرني عن فارس أراه راكبا بجانب صلاح الدين وعليه ثياب فاخرة.»
قال: «إنه من بعض خاصته، ولكنه يحبه كثيرا ولا صبر له على فراقه واسمه عماد الدين.»
فبغت الحمار عند ذلك وقال: «ما بال هؤلاء لا يسمون اسما إلا منسوبا إلى الدين. هؤلاء ثلاثة ذكرت لي أسماءهم: نور الدين وصلاح الدين ونجم الدين، وهذا عماد الدين.»
فقال العم حسن: «تلك عادتهم في التسمية. ها قد انتهى الموكب وقصصت عليك خبره، فأذن بانصرافي.»
فقال: «مع السلامة أكثر الله خيرك.»
وانصرفا، وسار الموكب على هذه الصورة بعد خروجه من باب الفتوح والناس في أثره راكبين أو مشاة، وآخرون وقفوا على أسطح المنازل يشرفون على الموكب وقد تصاعد الغبار حتى حجب وجه السماء وغشي الرءوس والمناكب، ولم تبق فتاة ولا غلام إلا خرجا إلى الشارع أو صعدا إلى السطح ، والبسطاء يستغربون خروج الخليفة لاستقبال ذلك الكردي، والعارفون لا يرون فيه غرابة لضعف أمر الخلافة. •••
ما زال الموكب سائرا على هذه الصورة حتى وصل إلى مسجد التبر (في آخر الحسينية)، وأتت البشائر باقتراب نجم الدين فالتقوا به هناك. وحالما تقابلا ترجل نجم الدين احتراما للخليفة وكذلك فعل رجاله الذين معه وفيهم أخوه شمس الدين. وترجل صلاح الدين وقبل يدي والده. فقبله والده، ولما رأى الموكب وما على ابنه من الخلع لم يتمالك عن البكاء من الفرح وشكر الله على نعمه. وكان نجم الدين عاقلا مدبرا فترامى على يد الخليفة يقبلها ويظهر امتنانه من ذلك الإكرام والخليفة يجيبه بلطف، لكنه لم يتحول عن فرسه. ثم عاد الموكب بجلاله نحو القصرين، وقد ركب نجم الدين إلى جانب ابنه وبجانبهما عماد الدين الشاب الشجاع وتحادثا مليا. وكان حديثهما بلغة لا يفهمها رجال العاضد وهي اللغة الكردية. وكان أكثر الحديث عن نور الدين صاحب الشام وعن العاضد صاحب مصر.
أما الخليفة العاضد فلو دنوت منه تحت المظلة وتفرست في عينيه لرأيت الدمع يترقرق فيهما. ولو جسست قلبه لسمعت خفقانه الشديد من الأسف والغم ولاضطراره إلى الخروج في هذا الموكب لتكريم رجل يخافه على حياته كما يخافه على منصبه. ولكنه لم ير بدا من مسايرته، فكظم غيظه لاستقبال والده. وذلك أثقل على قلبه من الجوع والعري. ولعله يتمنى أن يكون من بعض العامة ولا يتحمل ذلك الضيم.
Bilinmeyen sayfa
ووصل الموكب قبيل الغروب إلى القصر الكبير الشرقي من قصور القاهرة. وهو مجموع قصور ربما زاد عددها على بضعة عشر قصرا، منها قصر الزمرد، وقصر المظفر، وقصر الإقبال، وقصر البحر، وقصر الحريم، وقصر الشوك، ودار الوزارة، ودار الضيافة، ودار الضرب، وخزانة البنود، وخزانة الكتب، وحجر الصبيان الحجرية وغيرها. وتسمى كلها معا القصر الكبير الشرقي. كما كانت تسمى قصور عبد الحميد في الآستانة قصر يلدز.
وموضع القصر الكبير الشرقي الآن في شرقي القاهرة القديمة وشماليها فيما بين الأزهر وباب الفتوح، ويدخل في ذلك خان الخليلي وبيت القاضي والجمالية والنحاسين . وقد سمي هذا القصر بالشرقي؛ تمييزا له عن قصر آخر أصغر منه كان غربي القصر الشرقي، وبينهما ساحة يقال لها الميدان بين القصرين. ووراء القصر الغربي نحو الغرب متنزه كبير يقال له البستان الكافوري يحده من الغرب خليج القاهرة، وعلى هذا الخليج كانت متنزهات الخلفاء الفاطميين.
وكان في جملة أبنية القصر الكبير الشرقي بناء يسمونه قصر الذهب، كان الخليفة يجلس فيه للناس في يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، فوقف الموكب عنده.
فترجل الخليفة ودخل القاعة المعدة للاستقبال وتسمى قاعة الذهب، يدخل إليها من باب يسمى باب الذهب (حيث المارستان المنصوري في النحاسين). فجلس على سرير من الذهب في صدر القاعة، يزن ألوف المثاقيل، وحوله ستر محلى بطراز من الذهب المرصع بالجواهر فيه خمسمائة وستون قطعة جوهر مختلفة الألوان. وفوق السرير مظلة من ذهب وزنها ثلاثون ألف مثقال. وأكثر جدران الغرفة مغطاة بستور الديباج المزركش. حتى إن الناظر إليها يحسب نفسه في حلم، ولا سيما متى نظر إلى ما فوق عمامة العاضد من الجواهر المتلألئة.
وبعد جلوس الخليفة على سريره دخل الوزير صلاح الدين. فجلس في مرتبة خاصة به. ولم يؤذن في الدخول يومئذ لأحد من رجال الدولة، وإنما جعلت الجلسة خاصة بإكرام نجم الدين. فأمر صاحب الباب باستقباله وإدخاله عليه. فدخل نجم الدين وكان بهي الطلعة عظيم الهيبة فوقع من نفس العاضد موقعا عظيما فأشار إليه بالجلوس ورحب به، فقعد نجم الدين باحترام. وكانت العادة إذا دخل الوزير على الخليفة الفاطمي أن يقبل يد الخليفة ورجله، ولم يفعل صلاح الدين ذلك ولا جعل والده يفعله، ولم يستغربه الخليفة.
وكان في جملة الحضور في تلك القاعة كهل ربعة دقيق العضل ممتقع اللون، قاعد في مجلس أقارب الخليفة قعود من يريد الاستتار ويود ألا ينتبه إليه أحد، لكن صلاح الدين لمحه فعلم من مجلسه أنه من بعض الأمراء ولم يكن رآه من قبل.
ولما استقر بالجالسين المقام بدأ العاضد بالكلام وهو يومئذ شاب لم يتجاوز الحادية والعشرين من عمره مع أنه تولى الخلافة منذ عشر سنين (سنة 556ه)؛ لأنه كان عند مبايعته في الحادية عشرة من عمره، والذي يراه الآن يحسبه في حدود الأربعين لكثرة ما كابده من الهموم وتحمله من الإحن. وكان لا يقع نظره على صلاح الدين إلا ندم على استنجاده بنور الدين زنكي صاحب الشام! •••
لما جلس القوم، وجه الخليفة كلامه إلى نجم الدين قائلا: «عسى ألا يكون القائد نجم الدين قد تعب في أثناء الطريق.»
قال: «كلا يا سيدي، إن سفري كان غاية في الراحة، وخاصة لأني أتوقع التشرف بلقيا الإمام، أعزه الله.»
فابتسم الخليفة ابتسامة مصطنعة وقال: «أهلا وسهلا بكم قد نزلتم على الرحب والسعة. وقد أمرت أن تعد لمقامكم منظرة اللؤلؤة وهي أجمل قصورنا، بل أحد متنزهات الدنيا، فعسى أن تجدوا فيها راحة.»
Bilinmeyen sayfa
فتأدب نجم الدين في مجلسه وأبدى الاحترام وأثنى على الخليفة ثناء كثيرا. ثم قال صلاح الدين: «إن تنازل مولانا بالخروج للقاء والدي نعمة لا أنساها له، نحن حينما كنا فإننا ندعو له بطول البقاء.»
فحك الخليفة عثنونه بسبابته وتناول قضيب الخلافة من فوق الوسادة التي إلى جانبه (وهو قصير مغشى بالذهب) وتشاغل بالنظر إليه. ثم سعل والتفت إلى نجم الدين وقال: «كيف فارقت صديقنا الأتابك نور الدين؟»
فأجاب وهو يتلطف قائلا: «فارقته في خير، وقد حملني سلاما كثيرا ومودة لمولانا العاضد - حفظه الله - وهو يدعو بطول بقائه ودوام سلامته.»
قال: «إني مسرور من صداقته وأرجو دوامها.»
قال: «إن ذلك شرف عظيم له، وقد كلفني أن أبلغ مولانا - أعزه الله - أنه هو ورجاله في خدمته لنصرة الحق.»
فوقع هذا الكلام موقعا مؤلما من نفس العاضد؛ لأنه ذكره بالسبب الذي جره إلى هذه المتاعب، فإنها تبدأ من استنصاره نور الدين. لكنه تجلد، والتفت إلى نجم الدين، ثم قال: «لقد نصرنا غير مرة، جزاه الله خيرا. وقد كفينا الآن مئونة الاستنصار بوجود ولدكم الملك الناصر.» وأشار إلى صلاح الدين.
فقال نجم الدين: «إن ولدنا من مواليكم يا سيدي ولا يدخر وسعا في خدمتكم والأخذ بناصركم .»
فمد العاضد يده إلى عنقه واستخرج عقدا من الجوهر يشبه العقد الذي في عنق صلاح الدين وقدمه إلى نجم الدين وهو يبتسم وقال: «هذه هدية منا تتذكرون بها هذه الزيارة أيها القائد الباسل. وقد استحققت عندنا أن ندعوك (الملك الأفضل) وستحمل إليك الألطاف والهدايا إلى قصر اللؤلؤة ونوليك الإقطاعات السنية، فإنك أهل لأكثر من ذلك.»
فوقف نجم الدين وتناول العقد وهو يقبل يد الخليفة. ثم قبل العقد ووضعه في عنقه وهو يقول: «لقد غمرتني يا مولاي بنعم لا أستحقها. إن اللقب الذي خلعته علي فوق قدري و...»
فقطع الخليفة كلامه قائلا: «بل أنت الملك الأفضل، كما أن نجلك الملك الناصر.» فكرر نجم الدين شكره وجلس متأدبا.
Bilinmeyen sayfa
ولاحت من صلاح الدين التفاتة إلى الكهل المتقدم ذكره فرأى في وجهه اهتماما وقد أبرقت عيناه وكادتا تتقدان من التفكير فشغله أمره لحظة، وأدرك الخليفة اشتغاله بذلك وأراد تحويل الأذهان عن هديته فوجه خطابه إلى صلاح الدين وقال وهو يشير بيده إلى ذلك الجليس: «أظنك لا تعرف الشريف أبا الحسن، إنه من أعمامنا. كان في سفر وقد جاءنا من عهد قريب.» والتفت إلى أبي الحسن وقال: «لا أظنك تحتاج إلى التعريف بوزيرنا الباسل أبي المظفر صلاح الدين.»
فأشار أبو الحسن بعينه ورأسه ويديه أنه شاكر لهذا التعريف، وانحنى كأنه يهم بالقيام، فقال صلاح الدين: «سررت كثيرا بمعرفة هذا الشريف ويكفي أنه متصل النسب بمقام الخلافة.»
وكان نجم الدين في أثناء ذلك ينظر إلى أبي الحسن نظر المتفرس ولم يعجبه ما في سحنته من الدهاء وما في عينيه من المكر. لكنه تجاهل وتوجه إلى الخليفة يبدي شكره على هذا التعريف.
ثم وضع العاضد قضيب الخلافة من يده على الوسادة ففهم القوم أنه قد آن الذهاب، فاستأذن نجم الدين بالانصراف وهم بوداع الخليفة. ثم تقدم صلاح الدين وودع الخليفة وأظهر أنه يهم بتقبيل يده. فاجتذب الخليفة يده تلطفا.
خرج نجم الدين وابنه من مجلس الخليفة ورجالهما ينتظرونهما خارج القصر بالأفراس والسلاح، وفيهم الشاب عماد الدين الذي كان راكبا بجانب صلاح الدين في الموكب ، يختصه بالالتفاف لما يراه فيه من البسالة. وهو شاب في مقتبل العمر قلما يفارق ركاب صلاح الدين إلا لأمر مهم. ولم يكن يراه أحد إلا أحبه لجماله وبسالته مع ذكاء وفصاحة. فلما خرج صلاح الدين صاح: «أين عماد الدين؟» فتقدم الشاب وعيناه تتكلمان قبل لسانه، وقد لبس ثوبا من أثواب الحرس الخاص بصلاح الدين وهو مؤلف من سروال قصير، وحول الخصر منطقة من جلد فيها عروة مذهبة، وفوقها دراعة مطرزة بالقصب. وعلى رأسه عمامة صغيرة كالطاقية مزركشة بالقصب، وقد علق بمنطقته سيفا قصيرا وغرس فيه خنجرا. فلما وقف بين يدي صلاح الدين قال له: «هلم بنا إلى منظرة اللؤلؤة، فقد أمر الخليفة أن ينزل والدي هناك وأنا أنزل معه الآن.»
فقام عماد الدين بإرشاد الركاب إلى المنظرة على خليج القاهرة. فقطعوا الميدان بين القصرين ومروا بجانب القصر الغربي إلى البستان الكافوري وانتهوا منه إلى المنظرة على ضفة الخليج اليمنى؛ أي من جهة قصور الخلفاء المتقدم ذكرها. وهي تشرف على الخليج من الغرب، ووراء الخليج غربا بركة كان يقال لها بطن البقرة ووراءها أرض الطبالة وبستان المقسي (الفجالة وباب الشعرية وما يليهما الآن) ووراءها بركة الأزبكية إلى مجرى النيل.
وكانت المنظرة المذكورة من أجمل متنزهات القاهرة، لها حديقة تتصل بالخليج فيها الأشجار والرياحين والأزهار. وفيها القاعات والمقصورات في أجمل ما يكون من الفرش الثمين الذي يشبه ما كان للخلفاء في قصورهم، من ستائر الديباج المطرز بالذهب، والبسط المحوكة بالذهب؛ وسائر الآنية من العاج وخشب الصندل، وفيها الأرائك والوسائد. وقد سرح في البستان مئات من الطيور الداجنة على اختلاف أنواعها وألحانها بعضها في الأقفاص والبعض الآخر مطلق. وعلى ضفة الخليج مجالس من الخشب كالشرفات قد فرشت بالسجاد، عليها المساند المزركشة وفوقها مظلات من الخشب تعرش على النبات، وكل ما في المنظرة ثمين يستوقف النظر، وناهيك بأنها كانت متنزها للخلفاء الفاطميين في إبان دولتهم.
وصل نجم الدين وابنه ومن في ركابهما من الحاشية، فتلقاهم غلمان المنظرة بالأطياب والبخور، فدخلوا إلى قاعة كبيرة للاستراحة ومعهم بعض الخاصة من رجالهم. جلسوا ساعة لم يدر فيها من الحديث غير العام المتعلق بالأسفار وما قد يراه المسافر في طريقه من التعب أو الراحة. وتخلل الحديث طبعا ذكر الإفرنج (الصليبيين) الذين كانوا يومئذ أصحاب السيادة في نواحي سوريا وفلسطين وكثير من مدنها.
ثم مالت الشمس إلى المغيب وقد أعدت مائدة العشاء، فتناوله معهما طائفة من الخاصة وفيهم شمس الدين. فلما فرغوا من الطعام انصرف الخاصة كل منهم إلى فراشه في المنظرة وتركوا نجم الدين وابنه على حدة؛ لعلمهم أن نجم الدين لم يأت مصر إلا لأمر مهم يريد أن يسره إلى صلاح الدين.
اختلى نجم الدين بابنه في غرفة أنيرت بالشموع الضخمة وفيها ما تزن عدة أرطال. وقد رأى نجم الدين في قصور القاهرة ما لم ير مثله في دمشق الشام. وما كاد يخلو بصلاح الدين حتى اتكأ على وسادة وأشار إليه أن يقعد بين يديه وقد تخففا بلباس الرقاد. وفي يد نجم الدين أنبوبة حرص عليها منذ بدل ثيابه.
Bilinmeyen sayfa
فلما قعدا قال نجم الدين: «سرني يا يوسف ما رأيته من منزلتك عند هذا الرجل. ولكنني رأيتك لا تحترمه كثيرا وهو يرى نفسه خليفة وملكا.»
فضحك صلاح الدين وقال: «هل يخيفك يا أبي أن يرى نفسه كذلك ونحن نعلم أنه أسيرنا وصنيعنا؟»
فقطع نجم الدين كلامه قائلا: «ولكن الأمر لم يتم لنا بعد، فلا ضرر من المجاملة ومراعاة العادات الجارية. على أنني أراك من الجهة الأخرى تحاذر غضب رجاله وأنصاره رغم ما يأتيك من لدن نور الدين في أمر البيعة والدعوة للخليفة العباسي.» قال: «وكيف ذلك يا أبت؟» قال: «ألم نكتب إليكم منذ عام أن تدعو للخليفة العباسي على منابر القاهرة. ولماذا هذا التأخير؟»
فأطرق صلاح الدين لحظة وقد ظهر الاهتمام في محياه، ثم رفع بصره إلى أبيه وقال: «تدعوني إلى المجاملة ثم تعاتبني على تأخير الدعوة. وليست تلك الدعوة إلا إعلان سيادة العباسيين على مصر وسقوط دولة الفاطميين. ولا يخفى عليك ما يكون من تأثير ذلك في نفس هذا الخليفة المسكين. وما الذي يهمنا من مصر غير أن يكون لنا فيها الكلمة النافذة والصوت المسموع والريع المطلوب؟ لنترك هذا الخليفة الشاب يفرح بألقاب الخلفاء ومجاملاتهم حتى نرى ما يأتي به القدر. إن إعلان سيادتنا على مصر أمر ميسور متى شئنا. وعهدي بك أنك تحب التؤدة.»
قال: «نعم يا بني، ولكن نور الدين يلح في ذلك، وقد وعد الخليفة العباسي المستنجد بالله أن يدعو له على منابر مصر. فلما تأخرت الدعوة بعث الخليفة إليه يستبطئه فكتب نور الدين إليك خطابا يستحثك فيه على ذلك. وقد أوفدني لتبليغك هذه الرسالة، وهذا هو كتابه.» ودفعه إليه.
فتناول صلاح الدين الرسالة، وقرأها، وأكثر من الإمعان في فحواها ولا سيما قوله بعد التحريض على إعلان الدعوة: «وهذا أمر تجب المبادرة إليه لتحظى بهذه الفضيلة الجليلة والمنقبة النبيلة قبل هجوم الموت. ولا سيما أن أمام الوقت متطلع إلى ذلك بكليته وهو عنده من هم أمنيته.»
وأطال صلاح الدين النظر في ذلك الكتاب، وأبوه يراقب ما يبدو في وجهه من التغيير وقد أدرك ما في خاطره فقال: «ما بالك يا يوسف، وما الذي تحدثك نفسك به؟»
قال: «تحدثني نفسي بأمر لا تجهله يا سيدي.»
قال: «لا بد من إعلان الدعوة العباسية، هل ذلك صعب عليك؟»
قال: «كلا. ولكنني أراك تتجاهل أمرا آخر أضمره.»
Bilinmeyen sayfa
قال: «فهمت مرادك، إنك تفكر في أمر نور الدين، وهل إذا أعلنت الدعوة في المساجد للعباسيين تكون مصر ملحقة بالشام تابعة لنور الدين أم ...»
فأبرقت أسرة صلاح الدين ولمعت عيناه وأتم كلام أبيه قائلا: «أم لصلاح الدين وحده؟»
فابتسم أبوه وقال: «إنك تتعجل أمرا لا بد من التؤدة فيه، إنما يهمنا الآن الدعوة.»
قال: «أما الدعوة فسننظر في أمرها ولكنك لم توضح لي رأيك من الوجه الآخر.» قال: «وما هو؟» قال: «أنت تعلمه ولكنك تريد أن تسمعه من فمي فاسمع. إني قد دبرت أمر مصر وضبطت شئونها بسيفي وتدبيري وبسيف عمي من قبلي. ونور الدين قاعد في قصره بدمشق ومملكته واسعة ومماليكه كثيرون. فهل من العدل أن تكون مصر له أيضا ونبقى نحن من خدمه أو قواده؟ ما الذي يمتاز به نور الدين عنا؟ هل ابتاعنا بماله؟ نحن لسنا من مماليكه. إننا قواد. وهذه مصر يستحيل عليه إخضاعها بدوني. فأنا لا أبايع للخليفة العباسي إلا على أن أكون صاحب مصر وليس نور الدين.»
وما أتم كلامه حتى بان الغضب في جبينه مع الاهتمام، وتفرس في وجه أبيه ليرى رأيه في ذلك. فابتسم نجم الدين وقال: «بورك فيك يا يوسف إنك تطلب السيادة، وأنت أهل لها، ولكن لكل أجل كتاب.»
قال: «أحب أن أعلم رأيك، ألا ترى لي حقا فيما أقول؟»
فضحك نجم الدين ضحك استخفاف، وعبث بلحيته يمشطها بأصابعه ثم قال: «إن الحق يا بني للقوة، تلك هي قاعدة أصحاب السياسة، وإلا لوجب علينا أن نخرج من هذا البلد ونتركه لأهله؛ لأن صاحبه إنما استنجد الأتابك نور الدين على رجل من خاصته تمرد عليه، فأنجده بعمك أسد الدين وأنت معه، وكان ينبغي لكما أن تخرجا من مصر بعد الفراغ من تلك المهمة وقبض ما تستحقانه من الأجر على نصركما. فبقاؤك هنا سواء أكان باسم نور الدين أم باسمك إنما هو جشع. وإنما تعده حقا إذا كنت قادرا على تنفيذه، فالحق هو القوة يا بني. تلك هي شريعة الفاتحين.»
وكانت حجة نجم الدين قوية إلى درجة لم يقو معها صلاح الدين على المدافعة وكاد يفحم. لكنه طامع في البلد ويريد أن يتذرع بأية وسيلة كانت لبلوغ غايته. فنهض وهو يتشاغل بإصلاح عمامته الصغيرة، ثم أخذ في فتل شاربيه وهو ينظر إلى أحد جدران الغرفة التي كانا فيها ويتأمل صورا ملونة مرسومة هناك لم يشاهدها من قبل. وكان بجانب كل صورة رف لطيف مذهب. فتقدم نحو الجدار وتفرس في الصور فرأى تحت كل صورة اسم صاحبها. وإذا هم من شعراء الدولة الفاطمية الذين كانوا يفدون على الخلفاء في أيام مجدهم. وهنا تذكر حديثا سمعه عن الخليفة الآمر بأحكام الله الفاطمي. ذلك أنه لما بنى منظرة بركة الحبش صور الشعراء على جدرانها كل شاعر وبلده، ونظم كل واحد منهم يومئذ قطعة من الشعر في المدح نقشوها عند رأسه في الصورة. وبجانب صورة كل منهم رف مذهب. فلما دخل الآمر وقرأ الأشعار أمر أن يوضع على كل رف صرة مختومة فيهما خمسون دينارا وأن يدخل كل شاعر ويأخذ صرته بيده.
وقف صلاح الدين هنيهة عند تلك الصرة وهو غارق في الهواجس، فأدرك أبوه ما يجول في خاطره فسكت ليرى ما يكون منه، وتشاغل بالنهوض أيضا ثم أظهر أنه يهم بالذهاب إلى الفراش وصلاح الدين لا يستطيع رقادا قبل أن يوافقه أبوه على الطلب. فالتفت إليه وقال: «تمهل يا أبتاه. إن هذا الخليفة دعانا إلى نصرته على الإفرنج، وأهل القاهرة أنفسهم راسلوا نور الدين وبذلوا له ثلث بلاد مصر إقطاعا، وأن يقيم عمي أسد الدين عندهم وله الإقطاع هو ورجاله أيضا. لا أن يقضي مهمته وينصرف كما تقول. ثم نكث وزيره شاور ولم يف بما وعد فقتلته أنا بيدي فصفا لنا الجو. ولو لم أقتله لم يكن لنور الدين إقطاع ولا ...»
فقطع نجم الدين كلامه وهو يمشي نحوه وقال بلهجة الشيخ الوقور: «إنك تخاصم نور الدين على غنيمة لا تزال في حوزة أصحابها، ولا يحق التنازع بينكما عليها إلا بعد إخراجها من قبضتهم. وهذا لا يكون إلا بنقل الدعوة من الفاطميين إلى العباسيين ثم نرى بعد ذلك، وهذا يكفي الآن.»
Bilinmeyen sayfa
وكان لنجم الدين نفوذ على ابنه مثل نفوذ السحر، فاكتفى صلاح الدين بما سمعه وتحول وهو يقول: «أظنك في حاجة إلى الرقاد يا أبي.» وأمر الخدم أن يهيئوا الفراش وذهب كل إلى منامه.
الفصل الثالث
أبو الحسن والحشاشون
تركنا الخليفة العاضد في قاعة الذهب، بعد خروج نجم الدين وابنه، ولم يبق معه إلا أبو الحسن. فلما خرج الكرديان أمر الحاجب أن يأتي بصاحب اللباس لينزع عنه ثيابه وحلاه؛ لأنه في حاجة إلى الراحة وألا يأذن لأحد في الدخول. فأتى صاحب اللباس وأخذ في نزع العمامة وما عليها من الجواهر ووضع كل قطعة في علبة خاصة بها وجاءت الوصائف يحملن الثوب الآخر ليلبسه الخليفة، وقد تغيرت سحنته وانقبضت أساريره واحمرت عيناه وشعر ببرد طقطقت له أسنانه واصطكت ركبتاه حتى لم يعد يستطيع الوقوف. فبادر أبو الحسن إليه فأسنده وبالغ في التخفيف عنه. ولكنه حالما لمس يده أحس بحرارتها، فعلم أن الخليفة مصاب بالحمى لكنه لم يشأ أن يخوفه.
ولما فرغ الخليفة من تبديل الثياب، ألقى نفسه على السرير وقد أحس بانحطاط عزيمته. فقال أبو الحسن: «بماذا تشعر مولاي أمير المؤمنين.»
قال: «أشعر بارتعاد مفاصلي وببرد يتمشى في ظهري، لا أظنه إلا من عواقب الكظم وتحمل الضيم، آه يا أبا الحسن.» قال ذلك بصوت مختنق وترقرق الدمع في عينيه.
فبادر أبو الحسن إلى التهوين عليه فقال: «لكل أجل كتاب يا مولاي. ولا بد من زوال هذه الأزمة.»
فقال وهو يلهث من شدة الحمى: «شعرت بهذه القشعريرة منذ ركبت في هذا الموكب لملاقاة هذا الكردي. آه كيف أقوى على احتمالهم وقد سلبوني ما في يدي من سيادة وثروة؟ وأنا مع ذلك لا أقدر إلا أن أجاملهم وألاطفهم وأرحب بهم.»
فمشط أبو الحسن لحيته بأنامله ثم قبض عليها وهو يتمتم كأنه يدعو أو يصلي ويظهر التقوى وسعة الصدر وقال: «لا بد من الصبر يا مولاي، ولا شك أن الله سامع دعاءنا. فإني أصلي ليل نهار وأطلب إليه تعالى أن ينصفك من هؤلاء الظالمين.»
فقال: «إلى متى الصبر يا أبا الحسن. كأنك لم تعلم بما فعلوه معي. ولم تسمع إلا مجاملتهم لي بالكلام ومخاطبتي بالإمارة. إنهم لم يتركوا لي من هذه الإمارة إلا لفظها. إن يوسف صلاح الدين هذا قد منع المؤذنين من الأذان بجملة «حي على خير العمل» كما كانوا يفعلون في دولتنا. وعزل قضاة مصر لأنهم من شيعتنا، وولى قضاة شافعية على مذهبه، وقبض على مرافق البلاد بيد من حديد، وتقول لي اصبر! أين الصبر؟» قال ذلك وغص بريقه.
Bilinmeyen sayfa
وكان أبو الحسن صفراوي المزاج لمفاويه، لا يبدو في سحنته شيء من التأثرات مهما يبلغ من تأثيرها في قلبه. أو لعل قلبه لا يتأثر إلا مما يريده، أو هو قادر على التظاهر بما يشاء من غضب أو فرح أو حزن بغير أن يكون ذلك ناتجا عن تأثر قلبي. فلما سمع قول الخليفة تنحنح وأظهر الاهتمام وقال: «لا أزال أقول اصبر. اتكل علي فإني باذل نفسي في سبيل هذا الأمر وهو يهمني كما يهمك. أليست الدولة دولتنا والشيعة شيعتنا، وفي حياتها حياتنا وفي موتها موتنا. ثق أني فاعل ما تريد، ولولا خوفي من أن أثقل عليك لذكرت لك التفاصيل. لكنك الآن في حاجة إلى الراحة فامض إلى فراشك إذا شئت. وسأقص الخبر على الشريف الجليس وهو يقصه على مولاي.»
قال الخليفة وهو يتململ من القشعريرة: «افعل. إني ذاهب إلى دار النساء.» قال ذلك ونهض فأعانه أبو الحسن على القيام، وأتى بعض الخصيان تعاونوا على حمله على محفة في دهليز يؤدي إلى دار النساء، فودعه أبو الحسن وقال: «أنا ذاهب بأمرك إلى الشريف الجليس أقص عليه ما يسرك ثم يلحق هو بك إلى دار النساء.»
فأشار الخليفة أن افعل. وكانت دار النساء قصرا قائما بنفسه لكنه يستطرق إلى قاعة الذهب بممر مسقوف لانتقال الخليفة إليه متى شاء. وللقصر باب خاص عليه الحرس من الخصيان، وكان رئيسهم من عهد غير بعيد خصيا يسمى مؤتمن الخلافة، فأتى عملا أغضب صلاح الدين فقتله وجعل مكانه الطواشي بهاء الدين قراقوش أحد رجاله المخلصين.
وحالما صار العاضد في تلك الدار أنزلوه من المحفة، فمشى وهو يتوكأ على بعض الغلمان وهم يظنونه يطلب الذهاب إلى حجرة إحدى نسائه. فإذا هو يشير إليهم أن يأخذوه إلى حجرة أخته سيدة الملك، وكانت عاقلة حازمة يرتاح العاضد لحديثها ويستأنس بآرائها. كأنه وهو في تلك الحال أحس بحاجته إلى رأيها.
ساروا به في رواق يؤدي إلى غرفتها وهي منفردة عن سائر غرف القصر، ولما بلغها نبأ قدومه خرجت لاستقباله، وأعانته على الدخول إلى غرفتها، فجلس على مقعد وهي تقول له: «ما بال أمير المؤمنين؟ ومم يشكو؟ روحي فداه.»
قال: «أشكو من برودة وقشعريرة. اصرفي الخدم، فإني أحب السكينة وألا يبقى في هذه الغرفة غيرنا.»
ففعلت. وكانت سيدة الملك جميلة الخلقة طويلة القامة صبوحة الوجه، ذهبية الشعر جذابة المنظر، إذا نظرت في وجهها شعرت بهيبة تنجلي في عينيها. وهي أكبر من أخيها الخليفة ببضع سنين؛ إذ إنها في الخامسة والعشرين من العمر.
فلما خلت به جلست بجانبه على السرير وطوقت عنقه بيدها وهي تقول: «مم يشكو أخي - حماه الله من كل أذى. إذا اعتل أمير المؤمنين اعتل الناس جميعا!»
فأسند رأسه إلى كتفها وتنفس الصعداء وهو يقول: «أشكو حسب الظاهر من حمى تنتابني، لكن العلة الحقيقية في هذا القلب.» وأشار إلى صدره. ثم أرخى يده من شدة الحمى فجستها فرأتها شديدة الحرارة فقالت: «هل أدعو لك الطبيب؟»
قال: «كلا. إن هذه الحمى ستنصرف الليلة، ولكن إذا كنت تعرفين طبيبا ينقذني من أولئك الأكراد فعلي به.»
Bilinmeyen sayfa