فقال : «لا تخافي يا سيدتي إني من رجال صلاح الدين المحاصرين لهذا القصر، ورأيت ذينك الرجلين يعذبانك، وحالما رأيت شعرك الذهبي علمت أنك من نساء الخليفة فبادرت إلى إنقاذك وأحمد الله أني قد فزت.»
فسألته: «هل يخشى علينا من الاحتراق.» فأكد لي أنهم لم يلقوا نفطا علينا وإنما كان ذلك من بعض اللصوص رموا النفط من جهة أخرى لغرض لهم. ولعلهم أرادوا أن يشغلوا الناس بالنار ويختطفوك.»
ولما وصلت سيدة الملك إلى هذه العبارة تغيرت سحنتها وتوردت وجنتاها وبلعت ريقها وهي تلهث من التأثر.
وكان الخليفة والجليس يسمعان كلامها ويراعيان الحماسة التي كانت تتجلى في محياها، ولحظا التغير الذي طرأ عليها عند ذكر ذلك الشاب، ولم ينتبها لما يخالج قلبها من جهته. فلما سكتت قال العاضد: «من هو هذا الشاب؟ وكيف عرف أنك من نساء الخليفة؟ إنه لأمر غريب! كيف يعرفك شاب غريب وأنت لا تخرجين إلا محتجبة؟ هو مع ذلك من رجال صلاح الدين. قولي الحق.»
قالت وهي تنظر إليه شزرا: «إنك تتهمني يا أمير المؤمنين. ولا مكان للريب. قد سألت الشاب كيف عرفني فمد يده إلى جيبه واستخرج هذه الخصلة ودفعها إلي وقال: «أليست هذه من شعرك؟» وأدناها من شعر رأسي فإذا هما بلون واحد.»
فابتدرها الخليفة قائلا: «مس شعرك بيده؟»
قالت: «لم يمسه، ولكنه أدناها من شعري. إنه شاب غير متهم وأنا مدينة له بحياتي وشرفي ولولاه لذهبت فريسة ذينك الخائنين.»
قال: «ألم تعرفي من هما؟»
قالت: «لم أعرفهما يقينا، ولكنني كدت أعرف أحدهما.»
قال: «من هو؟» قالت: «لا أقول؛ لأني أخاف أن يخطئ ظني فأجلب الأذى لرجل بريء. ولولا ذلك لأطلعتك على هذا الحادث من ذلك اليوم وقد مضى عليه الآن أكثر من سنة، ولم أذكره لك لئلا ألقي الشك في خاطرك.»
Bilinmeyen sayfa