قال: «نعم. وهذا ما أحب الاستفهام منك عنه، لقد أدهشني أمر لم أقدر على تفسيره.» قال: «وما هو؟» قال: «أخبرني الشيخ دبوس ظهر أمس أن السلطان نور الدين صاحب دمشق مات في الصباح. وأنا رأيته بعيني قبل ذلك بيومين راكبا على جواده سليما معافى والصحة تتجلى في وجهه بعد أن قضى يومه مع سائر رجال دولته في السباق.»
فقال عبد الرحيم: «هذا كله صحيح، نعم إنه عاد من ذلك الميدان صحيحا معافى لكنه لم يصل إلى القلعة حتى أحس بألم في حلقه، ظهر بالفحص أنه الخوانيق.»
فأطرق عبد الجبار (عماد الدين) وقد بانت الدهشة في عينيه، وهان عليه أن يصاب نور الدين بالخوانيق على أثر رؤيته إياه على جواده فقال: «يظهر أن المرض جاءه شديدا فلم يمهله طويلا. لكن إذا فرضنا وقوع ذلك فعلا ومات نور الدين صباحا، فكيف وصل الخبر إلى هنا قبل الظهر؟»
فضحك عبد الرحيم وقال: «إن ذلك يا عبد الجبار من كرامات مولانا الشيخ الأكبر - نفعنا الله ببركته - ألم أقل لك شيئا من ذلك ونحن في بيت المقدس؟ إنه طالما أنبأنا بالأخبار حال وقوعها، ولو كان بيننا وبينها مسافة أيام، وليس هذا أعجب كراماته. وهل تظن سطوته وقوة نفوذه لا أساس لهما؟ كيف يخضع له الألوف من الناس وفيهم العقلاء والحكماء إن لم يروا فيه ما يستحق ذلك؟ أتعلم أن أتباعه اليوم يزيدون على ستين ألفا من نخبة الناس وفيهم الشجعان والأبطال والقواد، وكل منهم طوع إرادته يبذل نفسه في طاعته. أتظن ذلك يقع عفوا بلا استحقاق؟»
فقال عماد الدين: «أنت تشير علي إذن بأن أبقى على عزمي؟»
قال: «هذه نصيحتي لك.»
قال: «إنهم أخذوا مني نقودي وسلاحي.»
قال: «لا خوف عليها. فإذا رجعت عن هذا الأمر فأنا أضمن إرجاعها إليك. ولا أظنك راجعا عنه ولا سيما بعد أن ترى الشيخ الأكبر نفسه وتسمع أقواله وتختبر كراماته. إنها كثيرة إنما ...» وسكت كأنه أراد أن يقول شيئا وندم عليه.
فقال عماد الدين: «أراك تتردد في نصحي.»
قال: «معاذ الله يا أخي، أنت تعلم أننا تحاببنا وتصادقنا لغير غرض سوى تقارب القلوب. ولما كانت جماعتنا هذه تضم خيرة الشجعان وذوي البسالة فقد رأيتك أهلا للانتظام في سلكها. وسوف تحمد مغبة نصحي. لكنني أتردد في أمر أحببت أن أبوح به لك تخفيفا من قلقك. لكنه محظور علي. فسكت.»
Bilinmeyen sayfa