مسألة:[الكلام في الأمر إذا قرن به لفظ التأبيد]
الأمر إذا قرن به لفظ التأبيد لا يدل على الدوام عند الشيخ أبي عبدالله البصري، والفقهاء يخالفونه.
ووجه قولهم: الخبر المقيد بلفظ التأبيد يدل على الدوام فكذلك الأمر، وهو الذي نختاره.
والدليل عليه: أن الواحد منا إذا قال لخادمه: لازم الغريم أبدا أفاد ذلك دوام ملازمة الغريم ما دام غريما، وهو الذي أقره شيخنا رحمه الله في كتابه الذي سماه الفائق في أصول الفقه، وكان كلامه رحمه الله في التدريس يختلف فتارة يرجح قول أبي عبدالله، وتارة يرجح قول الفقهاء، ويحتج للقولين جميعا بحجج ذكرها يخرجنا إلى الإسهاب.
مسألة:[الكلام في الكفار هل هم مخاطبون بالشرائع أم لا؟]
اختلف أهل العلم هل الكفار مخاطبون بالشرائع أم لا؟
فذهب كثير من أصحاب أبي حنيفة، وبعض أصحاب الشافعي إلى أنهم مخاطبون بها، وهو المروي عن أبي الحسين رحمه الله وهو الظاهر من مذهب أصحابنا، وهو الذي نختاره.
وفي الطائفتين من يذهب إلى أنهم غير مخاطبين بها، وعمدتهم في ذلك أنهم لو خوطبوا بها لوجب عليهم قضاؤها، وهذا غير مستمر؛ لأنا نعلم أنا مخاطبون بصلاة الجمعة فمن لم يؤدها في ذلك الوقت لم يجب عليه قضاؤها عند الجميع، ولأن الدليل كان يوجب القضاء عليهم لولا ما ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: ((الإيمان يجب ما قبله)) ومعناه: يسقط، والعين لا يتحقق فيها الإسقاط، فدلت أن المراد بذلك الأحكام، ومن الأحكام وجوب القضاء، فسقط ما قالوه.
والدليل على صحة ما ذهبنا إليه: أن الخطاب متوجه إلى الكافر توجهه إلى المسلم، وذلك ظاهر في قوله تعالى: {ياأيها الناس اتقوا ربكم} [النساء:1]، والشرائع داخلة في ذلك، ولأن الشرط في توجه الخطاب إلى الكافر شرط في توجه الخطاب إلى المسلم من كمال العقل، وزوال الموانع، ولأنهم لو لم يخاطبوا بها حسن منهم تركها كما ثبت مثل ذلك في الطفل والمجنون، ومعلوم خلافه.
Sayfa 59