Saad Zaghloul Lideri Devrim
سعد زغلول زعيم الثورة
Türler
هذا في مصر. أما في الولايات المتحدة نفسها، فقد أزعج السفارة البريطانية فيها ما أبصرته من أثر الدعوة المصرية واتساع نطاقه واشتماله على الكثيرين من المستمعين والأشياع؛ فاضطر مستر «رونالد لندسي» القائم بأعمال السفارة في واشنطن - وقد كان بمصر أثناء الحرب العظمى - إلى مقابلة تلك الدعوة بكثير من المساعي الخفية والعلنية، ومنها رد مفصل على سؤال مدير كتبه إلى إحدى الصحف يغض فيه من معونة المصريين ويقول منه: «إن الحكومة البريطانية قد عنيت بأن تتحاشى القضاء على السيادة المصرية، وإن الجنود المصريين يعملون في ظل العلم المصري لا الإنجليزي، ولا ترفع الراية البريطانية إلا على دور السلطة العسكرية البريطانية، وفيما عدا هذا ترفع الراية المصرية الخاصة. ولو أني أردت أن أجيبك على سؤالك جوابا لا يخرج على مدلول الألفاظ المحدودة لقلت إنه لم ينضو جندي مصري تحت الألوية البريطانية، ولكنه يكون بيانا ناقصا ولا مراء؛ إذ إنه في فبراير سنة 1915 عند هجوم الجيش التركي على مصر، اشتركت فرقة من المدفعية المصرية مع القوات البريطانية في الدفاع عن خط قناة السويس، وكان هجوم العدو قبل هذه الفرقة التي أدارت مدافعها بمهارة وكفاءة فساعدت على رد العدو. وفي اعتقادي أن الخسائر كانت اثنين من القتلى وستة من الجرحى، ولم تشترك في العمل خلال الحرب أية قوة مصرية أخرى مسلحة، ولكن في الأدوار الأخيرة من الحرب قامت ثلاث فرق مصرية أو أربع بحراسة خطوط المواصلات في سيناء، بينما كان الجنرال اللنبي يغزو سوريا، وحدث كذلك أن فصيلة مصرية كانت ببلاد الحجاز في وقت من الأوقات، لكن هذه القوات جميعها لم تتعرض لنيران القتال. وفضلا عن ذلك قد ضم عدد كبير من المصريين إلى فرقة العمال الملحقة بالقوات البريطانية، وكانوا يستخدمون لمدة قصيرة بين ثلاثة أشهر وستة، وقد قاموا لقوات الجنرال اللنبي بالأعمال اليدوية التي لا تستدعي خبرة فنية، وبهذه الصفة كان ما أدوه من الخدمات عظيم القيمة؛ لأنهم أتاحوا لعدد من الجنود الإنجليز أن يكونوا في خط القتال، ولولا ذلك لاستخدموا في ساقة الجيش، ولست أستطيع أن أذكر عدد هؤلاء الرجال الذين ألحقوا بفرقة العمال، ولكنهم بلغوا في بعض الأوقات من ثمانين إلى تسعين ألفا، وكان بعضهم يستهدفون للنار، وهم يحفرون الخنادق وينقلون المؤن والذخائر بمقربة من خط القتال، فأصابهم بعض الخسائر. وليس في وسعي أن أقول كم تبلغ هذه الخسائر على وجه التحقيق، ولكني أعتقد أنها تبلغ في الجملة ألفا وخمسمائة بين قتيل وجريح في خلال سنوات الحرب الأربع.»
وعلى الرغم من محاولة السبك والدقة في ظاهرة هذا البيان، يرى القارئ أنه قابل لمخالفة الواقع في عدة مواضع؛ لأن وصول العدد في الفوج الواحد من العمال إلى تسعين ألفا لا يمنع أنهم يبلغون المليون، ويتجاوزونه في جميع الأفواج؛ ولأن إحصاء القتلى والجرحى بألف وخمسمائة على وجه غير «وجه التحقيق» قد يفتح الباب لبلوغهم أضعاف ذلك على وجه التحقيق، إلا أن مستر «فولك» لم يتوان في الرد على هذا البيان بعد مراجعة الوفد في باريس، فكتب إلى وزير الخارجية بواشنطن خطابا يلفت فيه النظر إلى العبارة التي وردت في سياق كلام المستر «رونالد لندسي» عن تحاشي المساس بالسيادة المصرية؛ لكيلا يشق على الحكومة الأمريكية الاعتراف باستقلال مصر عند بحث معاهدة الصلح في مجلس الأمة، وكتب إلى رئيس لجنة الشئون الخارجية خطابا آخر ضمنه رد رئيس الوفد على بيان السفارة الإنجليزية وفيه:
إن مليونا ومائتي ألف مصري جندوا لفرقة العمال، وإن الجيش المصري نفسه قاتل على قناة السويس وفي شبه جزيرة سيناء وفي الحجاز، وحارب علي بن دينار في السودان، وإن خسائر عظيمة نزلت بفرقة العمال وعلى الأخص من فتك الأمراض.
واستند مستر «فولك» إلى عبارة «السيادة المصرية»، فطلب توكيد الإخلاص في المقصود منها بتصريح رسمي من الحكومة البريطانية تعلن فيه موعد الجلاء، وتفوض إلى عصبة الأمم - بعد تأليفها - تقرير مركز مصر، وتتخلى عن كل معارضة في تمثيل الدولة المصرية عند الدول الأجنبية، وعن كل معارضة في سفر وكلاء الأمة المصرية إلى الولايات المتحدة.
ولم تزل المسألة المصرية تتردد على ألسنة الأعضاء بمجلس الشيوخ تارة من حزب الحكومة، وتارة من حزب المعارضة، حتى التفت إليها كثيرون ممن لا يسمعون بها، ووجدت الصحف مسوغا لنشر الأخبار عنها وقبول المناقشة فيها، وأيقنت الحكومة البريطانية أن اطراد الدعوة على هذا المنوال كاف لإقلاقها وتوقع المتاعب التي قد تضر بمصالحها كما تمس سمعتها، وإن لم تعقبها نتيجة حاسمة في موقف الحكومة الأمريكية.
أما الدعوة في باريس، فقد كانت تنقطع حينا وتتصل حينا، ويثابر الوفد أكثر الأحيان على خطة الدعوة الشعبية؛ لأنه علم أن النجاح فيها أقرب من النجاح في مخاطبة الحكومات والوزراء، وطفق على الجملة يراسل المجالس النيابية وأقطاب الساسة وكبار الأدباء، ويكتب إلى الصحف، ويلقى من ذوي الكلمة المسموعة من تيسر له لقاؤه، ويجدد الاحتجاج والبيان كلما تجددت لذلك مناسبة من توقيع اتفاق أو عرض معاهدة أو وصول وفد أو غير ذلك، فجرى ذكر الحماية البريطانية على مصر في أكثر من مجلس من المجالس الأوروبية على نحو لا يبلغ في القوة والإفاضة ما جرى في الولايات المتحدة، ولكنه مع ضعفه واقتضابه أقلق الحكومة البريطانية، وزاد مخاوفها من التمادي فيه إلى أن يدرك المصريون شأن الدعاية ونفاذ سلاحها تمام الإدراك. ولعل أكبر ما حدث من دعوة الوفد خلال هذه الفترة وليمته في ثاني أغسطس في فندق كلاردج بباريس، وهي الوليمة التي خطب فيها وزير سابق للبحرية الفرنسية وحضرها الكاتب المشهور فكتور مرجريت، وتليت فيها كلمة من أناتول فرانس، وأجاب الدعوة إليها عدا هؤلاء بعض الشيوخ والنواب والصحفيين من أمم كثيرة.
هذه الحركة التي كانت تؤذن بالاستفاضة والاتفاق على تعاقب الأيام قد أفهمت الساسة الإنجليز أن «التجاهل» سياسة لا تفيد إلى زمن بعيد، وأنه لا بد من «شيء» تعمله في هذه الحالة غير الاستخفاف الظاهر وطول البال، ولكنها لم تقصد إلى إرضاء المصريين بمقدار ما قصدت إلى الخلاص من الوفد، وتفريق شمله بين الآراء المتضاربة والمذاهب المتعارضة؛ فعجلت بإيفاد لجنة التحقيق برآسة اللورد ملنر إلى القطر المصري لسؤال المصريين عن مطالبهم وتقرير نظام الحكم الذي يحكمون به في ظل الحماية، ودعاها إلى التعجيل بإرسالها غير ما تقدم سببان آخران: «أحدهما» أن رؤساء الوفد في القاهرة أعلنوا العزم على مقاطعتها إذا هي حضرت في تلك الظروف؛ لأن اللجنة تريد المفاوضة على أساس الحماية، وتستفتي البلاد وهي في قبضة الأحكام العرفية، وتدعي لحكومتها الحق في نظر الشكايات المصرية كأنها صاحبة السيادة على البلاد.
وقد شعر محمد سعيد باشا - رئيس الوزارة يومئذ - بإجماع الأمة على مقاطعة اللجنة، فنصح للورد اللنبي بإرجاء إرسالها انتظارا للفراغ من عقد معاهدة الصلح مع الحكومة التركية، ووضوح مركز مصر السياسي من حيث علاقتها بالدولة البريطانية، فلم يشأ اللورد اللنبي أن يصغي إلى هذه النصيحة مخافة أن يتهم بالضعف والتراجع أمام صيحة المقاطعة من اللجان الوفدية.
والسبب الآخر الذي دعا إلى تعجيل الحكومة البريطانية بإيفاد اللجنة في تلك الآونة أنها علمت ببوادر التفكك التي أصابت بعض أعضاء الوفد في باريس، وقد عاد فعلا بعض هؤلاء الأعضاء إلى الإسكندرية في الثاني عشر من شهر أغسطس، وهم: إسماعيل صدقي باشا وحسين واصف باشا ومحمود أبو النصر بك، وأذاعت لجنة الوفد في السادس والعشرين منه أن علي شعراوي باشا قادم لأعمال خاصة بإذن من رئيس الوفد وزملائه، وعاد قبل ذلك آخرون لأسباب من هذا القبيل؛ فحسبت الحكومة البريطانية أن الفرصة سانحة للفصل بين الوفد والأمة أو لتمزيق شمل الوفد، وتشجيع المترددين من أعضائه على تركه، ورجح عندها هذا الحسبان أنها علمت بما شاع عن آراء الأعضاء العائدين، وأنهم يتشككون في نجاح مسعى الوفد لإشفاقهم من مهاجمة الحكومة البريطانية بالدعوة الأجنبية، وإيثارهم أن تكون الدعوة في إنجلترا، وعلى رضى من رجالها الرسميين؛ فطمعت في توسيع مسافة الخلف وبث الغواية من طريق اللجنة الملنرية، وما عسى أن تشير به من تحويل النظم والمناصب، وتقريب الآمال والرغائب.
الفصل السادس
Bilinmeyen sayfa