ثم قال له الثاني: «إنني أستغرب كيف أنك لم تحجل (تقيد) الحصان عندما ربطته، فما أوفر جهلك؟»
فقال الثالث لرفيقيه: «إن السفر إلى البحر على ظهور الخيول غباوة من أساسه.»
فقال الرابع: «أما أنا فأعتقد أنه لا يقتني الخيول إلا كل بليد بطيء الخطى.»
فدهش المسافر لبلاغتهم وفصاحتهم في الوعظ والإرشاد بعد فوات الأوان، ثم قال لهم وهو يتميز غيظا: «أيها الأصحاب، عندما سرق حصاني جاءتكم الفصاحة عفوا؛ فأسرعتم الواحد تلو الآخر تعددون هفواتي وزلاتي، ولكن يدهشني كيف أنكم مع ما أوتيتم من قوة البيان، لم يقل أحد منكم كلمة عمن سرق الحصان!»
الشعراء
كان أربعة من الشعراء جالسين إلى خوان، وكان على الخوان إناء من الخمر.
فقال الشاعر الأول: «يخيل إلي أني أرى عبير هذا الخمر مرفرفا في الفضاء، كسحابة من الطيور في غاب مسحور.»
فرفع الشاعر الثاني رأسه وقال: «أما أنا فإني أسمع بأذني الباطنة هذه الطيور تغرد؛ فتأخذ ألحانها بمجامع قلبي؛ فتأسره كما تأسر الزنبقة النحلة بين وريقاتها.»
فأغمض الشاعر الثالث عينيه ورفع ذراعه وقال: «أما أنا فإني أكاد ألامسها بيدي، أشعر بحفيف أجنحتها يهب في وجهي كأنه لهاث جنية نائمة.»
فنهض الشاعر الرابع إذ ذاك، ورفع الإناء بيديه وقال: «عفوكم أيها الإخوان! فإني ضعيف البصر، ثقيل السمع، كليل اللمس، فليس في طاقتي أن أرى عبير هذه الخمرة، ولا أن أسمع غناءها، ولا أن أشعر برفرفة أجنحتها. أواه! إنني لا أشعر بغير الخمرة ذاتها؛ ولذلك يجب أن أشربها لتوقظ حواسي الخاملة، وتشعل روحي بنار بركتكم العلوية ووحيكم الطهور.»
Bilinmeyen sayfa