خفف كمية طعامك تصر عاقلا من هذا القبيل. إن العقل يبين لي أن شرب المسكرات يحط من قدر الإنسان، فأتجنبها ولا أكثر من شربها.
بعد ذلك دار الحديث على فني الموسيقى والتصوير، فارتاحت إلى سماع هذا الموضوع مدام فارز، وسألت ألبير هل أزعجه هذا الحديث، فأجاب: لم يزعجني قط، كوني مطمئنة من هذا القبيل، لله ما أطيب قلبك أيتها الصديقة! ثم تبادلا نظرة وابتسامة لحظهما الدكتور توري الذي بعد برهة قرب من مدام فارز قائلا: ما أخفك يا مدام! - ولماذا؟ - لأنك لا تعتنين إلا بالآتي الجديد. - وهل ألبير جديد؟! إنك تعنيه دون شك، إني أعرفه منذ 15 سنة، وكانت زوجته صديقة حميمة لي. - وهل ماتت زوجته؟ - كلا، بل مطلقة. - أكانت تخدعه؟ - بل كانت تعبده. - إذا هو الخائن. - نعم. - إن ذلك باد في محياه. وأين زوجته الآن ألا ترينها؟ - اقترنت برجل آخر، وهو الدكتور روجر. - هذا كان تلميذا لي، وهل هو زوجها الآن؟ - لا تلفظ هذا بصوت عال لئلا يسمعك. - يظهر أن هذا المسيو يعجبك كثيرا. - أيها الدكتور الفاضل، إني أحب أصحابي وأرغب في تسليتهم بأيام حزنهم.
وكانت أودت واقفة عند مائدة صغيرة تخاطب لسكال المصور، وتريه بعض الرسوم التي صورتها في خلال ذلك الأسبوع، وهو ينتقد بعضها مبينا لها مواضع الإصلاح ، وألبير يسمع وينظر متأملا جمال هذه الابنة الفتان، ثم اقترب منها طالبا أن تريه التصاوير، فقدمتها له الواحدة بعد الأخرى والابتسام ملء شفتيها، فقال المصور: أرى عند الآنسة أودت استعدادا عظيما وميلا شائقا إلى العمل، فإذا داومت على هذا فإنها لا شك تبرع في فن التصوير الجميل.
فأبرق محياها سرورا، ثم أتت أمها وقالت لألبير: ألا ترى أن عندها استعدادا كبيرا؟ - نعم، أرى ذلك وأهنئك.
دسباس:
لا أنكر استعدادها، ولكن لا لزوم لمثل هذه الأهلية عند النساء.
أمها:
والدي يدعي أن سعادة المرأة تتعلق بالرجل، ولكني أرى أن المرأة تحتاج أيضا إلى الاستقلال نظير الرجل. - ولماذا؟ - كي تحيا حياتها هي أيضا؛ وذلك أن الإنسان لا يحيا الحياة الأدبية إلا متى تم له استقلاله وحريته. - يا لها من غباوة! وبعد أن تناول كأسا من الكونياك ذهب إلى مائدة اللعب داعيا بلواي إلى لعب الشطرنج. وكان ألبير جالسا بالقرب من مدام بلواي، والدكتور توري بجانب أودت التي أخذت تعزف على البيانو عزفا يأخذ بالألباب كل مأخذ، إنما توري لم يكن مصغيا إلا للحديث الدائر بين مدام فارز ومدام بلواي وألبير، وأما المصور فشرع يرسم شخص أودت بكل إتقان وإحكام وهي تعزف على البيانو.
منذ أربع سنوات مرضت أودت فدعي الدكتور توري هذا لمعالجتها، ومن ذلك الحين أضحى الصديق الصدوق والمسامر والأليف والجليس على مائدة طعام هذه الأسرة، وكانت صاحبة المنزل تصغي إلى كلامه وتعمل بحسب مشوراته؛ لأنها متأكدة أنه يحب أودت حبا أبويا، ويهتم بصالحها كاهتمامه بصالح ولده، وكذا أودت فكانت تحذو حذو والدتها، وهما تنظران إليه كفرد من أهل البيت، وترتاحان إلى عشرته ومجالسته، وتستدعيانه لمرافقتهما إلى الملاهي والمشاهد التي في باريس لتسلية الخواطر وتسريح النواظر، وكان توري يلبي الدعوة برضا وارتياح، ويظن أن معاملة مدام فارز هذه لم تكن ناجمة إلا عن حب انطوى عليه فؤادها؛ ولهذا أخذ يفتكر في الأشهر الأخيرة بأن يتخذها زوجة، وتراءى له أن حياته تكون سعيدة معها وهي تساعده في نجاحه الاجتماعي؛ نظرا لما هي منطوية عليه من حسن الذوق، ولطف المعشر، وحلاوة اللسان، إلخ.
وهذه الأفكار لم تكن خافية عن والدها دسباس الذي رأى أن اقتران توري هذا بابنته هو في غاية الموافقة والصواب؛ ولذا كان عندما يلمح له الطبيب توري بشيء من هذا يجيبه بعبارات تشف عن تمام الرضا والقبول.
Bilinmeyen sayfa