Ruh Cazim Mahatma Ghandi
روح عظيم المهاتما غاندي
Türler
زار البلاد الإنجليزية للتشاور في القضية الهندية، فأخذوه إلى مساكن العمال المتعطلين وأشهدوه ما فيها من بؤس وفاقة، وأحبوا أن يقنعوه من حيث يقتنع إذ طرقوا فكره من باب الرحمة والتورع عن إيذاء الأبرياء فقالوا له: إن هذا البؤس الذي يراه أثر من آثار سياسته التي يدعو إليها، وهي مقاطعة البضائع الإنجليزية وتعويل أهل الهند على ما يصنعونه بأيديهم من الكساء ومطالب المعيشة.
فبدا عليه أسف شديد، ولكنه قال: إنه لا يستطيع أن يعدل عن دعوته، وإن في الهند من ألوان البؤس والفاقة ما هو أنكأ للنفس مما رآه.
نهرو رئيس الحكومة الهندية يصغي إلى غاندي.
ولم يكن هذا الإصرار عجيبا من قديس الرحمة والمحبة بين الناس، فإنما كان شأنه في هذا كشأن الطبيب الذي ينهى الناس عن التخمة والإفراط في المآكل فلا يلام إذا كان في اتباع الناس لنصيحته خسارة على المطاعم أو الصيدليات، ولا يطلب منه أن يسكت عن محاربة التخمة والإفراط؛ لأن أناسا يستفيدون إذا تخم الناس ويخسرون إذا أخذوا بالحمية والاعتدال. •••
وقد قيل له مرة: لماذا يفرغ جهده في المطالبة باستقلال الهند ولا يفرغ هذا الجهد فيما هو أعظم من ذلك وأكمل؛ وهو المطالبة بالإخاء العالمي أو بالوحدة العالمية؟
فكان جوابه غاية في الإقناع وغاية في الدهاء ، وقال لسائليه - وهم من الصحفيين الأمريكيين - إن الإخاء العالمي لا يصلح إلا لإخوة أحرار، وإنه إذا كان مقصورا على المنتصرين في الحرب، فغاية ما يرجى منه أن يمكن فريقا من فريق، وأن يقسم العالم إلى أعداء غالبين وأعداء مغلوبين، فإذا صدقت النية في التبشير بالإخاء بين بني الإنسان فليكن إخاء بين أحرار، وليدخل في زمرته المنهزمون في ميادين القتال، ولا يعامل أحد من هؤلاء المنهزمين معاملة التشفي والانتقام. •••
وغني عن القول: أن غاندي لم يكن ليحرم المقاومة العنيفة على أهل الهند ويبيحها لغيرهم من الأمم في سبيل غاية من الغايات، فمن شاء أن يقاوم عدوه بالسلاح فهو وشأنه فيما يشاء، وقد كان غاندي يكتب إلى «شيان كاي شيك» زعيم الصين فيحيي فيه جهاده في تحرير بلاده، ولكنه إذا سئل رأيه في أفضل الوسائل فليست لديه وسيلة أفضل من «الاهمسا» لدفع كل خطر وتبليغ كل مقصود، وبخاصة إذا كان المقصود هو تعميم الإخاء بين بني الإنسان وإقامة الوحدة العالمية بين جميع الشعوب، فما من بلاء يحول بين الناس وبين إقامة هذه الوحدة إلا كانت «الاهمسا» ترياقا له أنجح من كل ترياق، ولا استثناء في هذا لشيء قط حتى بلاء الفاشية أو بلاء النازية أو بلاء المذاهب المادية، فما على الناس إلا أن يكفوا عن مقاومة عنفها بمثله، وأن يكفوا عن معاونتها في مطامعها، وأن يقرنوا الكف بالكفاف والقناعة، فإذا بهذه الغاية الموموقة أدنى إلى هذه الوسيلة من كل وسيلة يعتمد عليها الساسة والدعاة. •••
ومن البديهي أن رجلا كهذا لا يضمر في طوية نفسه عداء لأحد من خصومه أو الساخطين عليه، وكثيرا ما كان يحرج أولئك الخصوم ويوقعهم في الحيرة والارتباك بجرائر عمله، كما كان يفعل حين يعلن المقاطعة أو عدم التعاون أو ينذر الصيام حتى الموت أو يتحدى القوة والقانون، ولكنه لا يبالي بحرج من يحرج وحيرة من يحار ما دام هو مستريح الضمير، وإنه لمستريح الضمير أبدا ما دام في حدود «الاهمسا» التي هي في شرعه رأس الحكمة وجماع الفروض والواجبات، أو ما دام مخلصا في اجتناب العدوان، مخلصا في منع الحرج لو استطاع. •••
وإذا كانت هذه أساليبه في معاملة الدولة البريطانية لا جرم يجري على هذه الأساليب نفسها في معاملة الطوائف الهندية من غير النحلة الدينية التي ينتمي إليها. فكان يعطف على طائفة المنبوذين ويطلب لهم حقوقا مساوية لسائر الحقوق ولا يبالي ما يلهبه من الغيظ في صدور المتعصبين من البراهمة بهذه الدعوة التي تخرق سنن الحياة الهندية من أقدم عصورها، وكان يأبى اضطهاد المسلمين ويثير عليه السخط من جراء هذه المجاملة التي أودت بحياته، وسئل مرة وهو يطالب الإنجليز بالجلاء عن الهند كلها: هل هو على استعداد لتسليم الحكومة الهندية إلى جماعة الرابطة الإسلامية إذا وجب قيام حكومة موقوتة في فترة الانتقال بين جلاء الإنجليز وقيام الحكومة الهندية الدائمة؟ سأله تاجر مسلم من بومباي هذا السؤال باسم القائد الإسلامي الأعظم محمد جنة، فكان جوابه: نعم بلا قيد ولا شرط ولا تحفظ، إنني أقبل في هذه الحالة تسليم الحكومة الهندية لجماعة الرابطة الإسلامية في أقاليمها وفي غير أقاليمها.
ومن أبناء الطوائف من يتهمه بالمكر والمداجاة في سياسته مع هذه الطوائف، وأنه يظهر لها الحسنى ويبطن التعصب لأبناء نحلته من ورائها. قالوا: ومن أدلة ذلك أنه نذر الصوم حين همت الحكومة البريطانية بتقسيم «دوائر انتخابية» للمنبوذين ينفردون بالانتخاب فيها؛ لأنه كان يخشى أن تتمزق أوصال البلاد وتنطلق فيها دواعي الفتنة بهذا التقسيم.
Bilinmeyen sayfa