مَوعَبُ لِيط القَرا به قُوَبٌ ... سُودٌ قليلُ اللِّحاءِ مُنجَرِدُه
مُجَرَّبٌ بِالرِّهانِ مستلِبٌ ... خصلَ الجَواري طرائفٌ سَبَدُه
ولدي بِمنَّ الله من العلوم الغريبة والآداب الشاردة ما يغنيني عن التجمل بطويل القريض، فكيف بقصيره؟ ويمنعني من التكثر بمتماحله وعروجه، فكيف بفذه وتوأمه؟ والفاختة في هذا كله واقفة تسمع مناجاة الصاهل وثناءه عليها، وأقوال الشاحج ونقصه منها، فترف عينها للصاهل، تغمز عليه وهو لا يراها لأنه معصوب العينين. وتنطلق إلى البعير الوارد فتعكس ما قال الشاحج فيه وتجعل القول الذي نطق به الصاهل من وصفه بالجهل، محكيًا عن الشاحج، تريد أذاته بذلك. فتخبره بما قيل فيه من الصفة بقلة اللب، فتملأ صدره من الغضب والحقد. حتى إذا ورد، بهش بفمه بعد الري إلى جحفلة ذلك المسكين فما شعر حتى أزم بها على الغرة إزمة حنق مغتاظ، وهدر في ذلك هدر الموعد.
فضج الشاحج وقال: ما هذا يا أبا أيوب؟ لقد سفه حلمك وخف وزنك ونفرت نعامتك. فما الذي حملك على م صنعت؟ أليس على ظهري يستقي ربك إذا مررت في أسفارك فتشرب النهل والعلل من العذب الناجع من غير طلب ثواب عليه؟ وقد علمت أنك تكون في الحوم الوارد وقد ألهبك سعر الخمس فلا تصل إلى تغميرتك إلا بعد عراد الإبل ودفع المناكب بمنكبك واهتتضامك ضعفتها عند ورودك، واقتصار المصاعب لك وتفردها بما قرى في الحوض دونك. وقد علمت أنك ترد بعد الظمء التام، فإن يكن ساقيك عزيز الجانب كثير النافرة نافذ الأقضية، وإلا حلئت عن المورد ورجع صدرك بغلته. وإن كان صاحبك ضعيفًا في قومه غير بعيد الصيت في عشيرته، ثم دنوت إلى الحوض، حنيت العصا لك أو قذفت بالحجر والفهر، فربما غارت عينك أو دمي مشفرك.
فلك ولنظرائك إذا كان الأمر على ما ذكرت، قال القائل ضربه ضرب غرائب الإبل. وقال " المثقب ":
كأَن قِذافَ ما تَنْفِي يداها ... قذافُ غريبة بيَدَيْ مُعينِ
فإن كنت كريمًا على المالك جعل الشاة أو الشاتين رشوة للسقاة على سقيك. وإلى هذه الشيمة ذهب بعض العلماء في تفسير قول الراجز:
نادِ حُمَيدًا يا خليلي لا تَنَمْ
على عبنقى دافَعتْ عنه الغنمْ
إِن لم أُكَلِّفْها جَلاذِيَّ الأَكَمْ
ودَلَجَ الليلِ فخُصَّاني بِذَمّْ
فمعنى: دافعت عنه الغنم، على هذا القول، أنه سقى بها وجعلت رشوة لمن يغلب على الماء، فيسقى هذا البعير. وإن كنت للأرملة أو المغيبة فإنها تجيء بالشيء النزر إلى قيم الماء، مثل القعب من الببن واللوية من لحم الوحش. وعلى حسب ما تعطى القيم يكون سقيك. قال الشاعر:
سيَكفِيكَ سَقْيًا رِجلُ ظبيٍ وعُلْبَةٌ ... تمَطَّتْ بها مصلوبةٌ لم تُحارِدِ
وطال ما نزل ربك، من رغبته في إروائك، إلى البئر البعيدة القعر فطلع وقد أسن وانجذم دونه المرس فهلك. وربما وقف على المكان الزلج فهوى في القليب. وف ينحو من ذلك أنشد " الأصمعي " في " كتاب أوراد الإبل ":
يا عينُ بَكِّي عامرًا عند النَهَلْ ... عند الرشاء والعشاءِ والعَمَلْ
يا ليتني أَصدَرْتُهن بِغَلَلْ ... ولم أَقدِّمْ عامرًا يومَ نَزلْ
قام على مَنزَعةٍ ... زَلْجٍ فزَلْ
ولأجلك وأجل غيرك من الهجمة، افتقروا إلى الممرس والدالج وصاحب التعلية، واضطروا إلى حكم القادس، واستعان المعرس منهم بعروسه وبها خلوق العرس على إيراد الذود. قال الراجز:
لو أَن سلمى شهدتْ مظَلِّي ... تَمتَحُ أَو تُدلجُ أَو تُعلِّي
إِذًا لراحتْ غيرَ ذات دَلِّ
وقال آخر يذكر أنه إن لم يجد من يعينه على السقي كلف عروسه أن تسقي معه:
قامت تُريكَ بَشَرًا مكنونًا ... قد عَلِمتْ إِن لم أَجدْ معينًا
لأَخلِطَنَّ بالخَلوقِ الطينا ... يا بئرَ عادٍ مَن تَهَيَّبِينَا
سوف تُماحِينَ وتَدلَجينا ... وتُطرَحُ الدلُو مكانًا بِينَا
1 / 28