أما الذكاء الآدمي فمكون من العناصر الآتية:
الاختيار، والمقارنة وإدراك الفروق، واستخلاص النتائج، والتحليل ثم التركيب، أي الخلق.
أما الإرادة فمقترنة بالعمل وكيفية العمل، هي السلوك الإنساني
Behavior ، ونحن في هذا الباب لا نزال نجري على الطريقة الحيوانية من حيث التجربة، والاهتداء بالخطأ والصواب، والأصح أن نسميها طريقة التحسس والتنقيب.
ولكن الفرق بين الإنسان والحيوان أن الإنسان يتعلم ويعلم، أما الحيوان فيحتفظ بتجربته لنفسه، حتى لقد قال أحد علماء الحيوان: إن القرد لا يقلد غيره كما هو شائع ومعروف، بل يقلد جنسه، وحتى الإنسان يتكبر على تقليد غيره، ولولا وجود أفراد قلائل يسميهم «دارون» «أنواع جديدة»
variation
في كل قطيع، تفكر للقطيع وتقوده وتتطلع إليه، ما أمكن تقدم الجنس البشري عن طريق هذا التقليد الجبري، ولقد أوجز «روبنس» خصائص العقل البشري في ميزتين؛ ربط الأمور ببعضها عن طريق الأصالة أو عن طريق التقليد، وربط الأمور يكون بالتمييز بين ما هو عام وما هو خاص، ثم الالتقاء ثم التبويب، ثم وضع الاسم على الشيء المبوب المختار المنتقى، ثم ينتهي بعد ذلك إلى خلاصة ما، وهذا ما نسميه ربط الأمور أما في العقل الحيواني فالأمور عامة مختلطة، والنتائج لا تستخلص عن الطريق السالف وإنما عن طريق التجربة العملية المحضة.
ولكن نتساءل أخيرا ما سر هذه «الكينونة» التي تختار وتنتقي وتربط؟ هل هو وحدة مستقلة؟ هل هو ظاهرة فسيولوجية؟
يقول «برجسون» ورأيه من أهم الآراء: إن العالم دوامة متغيرة في كل لحظة، وإن هذه الدوامة التي تنشد من وراء التغيير كمالا وعظمة، لا يمكن أن تكون مجرد آلة أتوماتيكية، بل لا بد فيه من يد كيد الحائك حين يقطع الثوب قطعا، ليستطيع الحصول على شيء كامل منه أخيرا، وبينما هو يقطع الثوب يسمي كل قطعة باسمها، وبعد ما ينتهي من حياكة ثوب يعلقه في مكان ما، وقد كتب عليه اسم صاحبه، ولا شك أن العقل الإنساني إنما ساعد على ذلك باختراع الكلام.
ولكن هل سلم العقل الإنساني بعد كل ذلك من طبائعه الأولى؟ كلا؛ فإن الإنسان الأول كان يؤمن بقوى خفية يستسلم لها ولا يناقشها، فنشأت فيه العقلية ذات المعتقدات التي لا تناقش
Bilinmeyen sayfa