ولقد سئمت من الحياة وطولها وسؤال هذا النّاس: كيف لبيد ولم تفه بقولك:
فمتى أهلك فلا أحفله ... بجلى الآن من العيش بجل!
من حياةٍ قد مللنا طولها ... وجديرٌ طول عيشٍ أن يملّ؟
فأنشدنا ميميتَّك المعلَّقة. ... فيقول: هيهات! إنَّي تركت
الشعر في الدار الخادعة، ولن أعود إليه في الدار الآخرة، وقد عوضّت ما هو خيرٌ وأبرّ.
فيقول: أخبرني عن قولك:
ترَّاك أمكنةٍ، إذا لم أرضها، ... أو، يرتبط بعض النُّفوس حمامها
هل أردت ببعض معنى كلٍّ؟ فيقول لبيدٌ: كلا، إنَّما أردت نفسي، وهذا كما تقول للرَّجل: إذا ذهب مالك، أعطاك بعض الناس مالًا، وأنت تعني نفسك في الحقيقة، وظاهر الكلام واقعٌ على كلّ إنسان، وعلى كلّ فرقة تكون بعضًا للناس .. فيقول، لا فتئ خصمه مفحمًا: أخبرني عن قولك: أو يرتبط، هل مقصدك: إذا لم أرضها أو يرتبط، فيكون: لم يرتبط؟ أم غرضك: أترك المنازل إذا لم أرضها، فيكون يرتبط كالمحمول على قولك: ترَّاك أمكنةٍ؟ فيقول لبيدٌ: الوجه الأوّل أردت.
فيقول، أعظم الله حظّه في الثواب: فما مغزاك في قولك:
وصبوح صافيةٍ وجذب كرينة ... بموتَّر تأتاله إبهامها؟
فإن الناس يروون في هذا البيت على وجهين: منهم من ينشده تأتاله، يجعله تفتعله، من آل الشيء يؤوله إذا ساسه، ومنهم من ينشد: تأتاله من الإتيان. فيقول لبيدٌ: كلا الوجهين يحتمله البيت، فيقول، أرغم الله حاسده: إنّ أبا عليّ الفارسيّ كان يدّعي، في هذا البيت، أنَّه مثل قولهم: استحى يستحي، على مذهب الخليل
1 / 38