وهنا تتجلى بطولة «فريد».
لقد كان «فريد» يناصر الدولة العثمانية وهو في غنى عنها، ولعلها هي التي كانت في حاجة إلى مناصرته، وكان رأيه في علاقة مصر بالدولة العثمانية ذلك الرأي الذي أعلنه حزبه في تقريره عن حوادث سنة 1907، وهو أولا «استقلال مصر كما قررته معاهدة لوندرة في عام 1840 وضمنته الفرمانات السلطانية، ذلك الاستقلال الضامن عرش مصر لعائلة محمد علي، والضامن للاستقلال الداخلي للبلاد».
وهو أخيرا «بذل الجهد لتقوية علاقة المحبة والارتباط والتعلق التام بين مصر والدولة العلية».
ولقد غادر «فريد» وطنه، والعداء بينه وبين الخديو عباس على أشد ما يكون العداء. وقد علم وهو في الآستانة أن العسكريين من رجال الدولة يقصدون بالحملة على مصر، في أثناء الحرب العالمية الأولى، أن يغيروا نظام الحكم في البلاد المصرية، ويتعرضوا لحقوقها وحقوق عرشها. علم هذا وهو في قبضة أيديهم، ولعله في حاجة ماسة إلى كل معونة منهم، ولا ملاذ له من غضبهم في مصر؛ لأنها موصدة أمامه، ولا في أوروبا؛ لأنها تضطرب بأهوال الحرب في كل بقعة من بقاعها، فلم يحفل بشيء مما يصيبه من جراء غضبهم، وراح يعلنهم باستنكاره لخطتهم واحتجاجه عليهم، وعلق في عروة كسائه شعار «مصر للمصريين»، وقد كان أبغض شعار إلى القائمين بالأمر في الآستانة يومذاك!
حدثني صديقي الفاضل الدكتور حسين همت بك - وهو ممن شهد تلك الأيام في الآستانة - أن طلعت باشا - أخطر رجال الدولة التركية في عهده - كان يمتعض كلما لمح ذلك الشعار الذي يحمله فريد وصحبه، وكان يعجب لأنهم ينكرون على الترك حكم مصر، وإنهم ليتكلمون التركية خيرا مما يتكلمها أهل الآستانة!
ومع هذا ظل فريد وصحبه يحملون شعارهم، ويعلنون استنكارهم حتى تعذر عليه البقاء في العاصمة التركية، فهجرها إلى أوروبا لينتقل بين ربوعها على غير هدى، ويشقى بتلك المعيشة الضنك في ظلمات تلك الغاشية العالمية، بغير أمل وبغير عزاء.
نعم المثل للوطنية الصادقة ذلك الشهيد الكريم - رحمه الله وخلد ذكراه.
مصطفى لطفي المنفلوطي
في فترة من تاريخ ثقافتنا، وفي أيام لا تتجاوز أيام الحرب العالمية الأولى، كان السائل يسأل: من أكتب الكتاب في لغتنا العربية؟ فيسمع الجواب من الكثرة الغالبة بين قراء تلك الفترة: إنهما اثنان: الشيخ علي يوسف والشيخ مصطفى لطفي المنفلوطي!
وربما حرص المجيب على تقديم لقب الشيخ على الاسم، خلافا للعادة في تداول أسماء المشهورين.
Bilinmeyen sayfa