Dünyadaki Seyahatlerim

Nevval Saadavi d. 1442 AH
157

Dünyadaki Seyahatlerim

رحلاتي في العالم

Türler

السخونة في شرق أفريقيا في الجو السياسي، وهي سخونة طبيعية؛ فالاستعباد الطويل يؤدي في النهاية إلى ثورة ساخنة لها إيجابياتها ولها أيضا مخاطرها، حين قلت في القاهرة: إنني ذاهبة إلى أوغندة والحبشة وشرق أفريقيا اتسعت العيون دهشة وحذرني الجميع؛ فالثورة كانت مندلعة في كل مكان، لكني صممت على الذهاب، فأنا أحب أن أكون حيث يكون الإنسان ثائرا وغاضبا. إن الغضب في رأيي هو الحالة النفسية المتلائمة مع هذا العصر. لا شيء يؤلمني أكثر من ابتسامة إنسان مستعبد أو استكانة شعب مستعمر محكوم بأقلية جشعة. كما أنني منذ المدرسة الابتدائية وأنا أسمع عن بحيرة فيكتوريا ومنابع النيل، وعندي رغبة ملحة في البحث عن منابعي وجذوري. كان جدي لأبي اسمه «حبش»، وبعضهم قال لي إنه كان أسمر وفيه دماء حبشية، وكانت أمي حين تغضب مني تقول: إنني ورثت بشرة أهل أبي. أليس من حقي بعد كل هذا أن أعرف جذوري ومنابعي؟ أما منابع النيل فقد وقفت في أوغندة مشدوهة أمام روعة الضفاف العالية الخضراء في «جنجا» بالقرب من «كمالا»، نقطة الالتحام بين النيل الأبيض وبحيرة فيكتوريا، وحيث أنشئ حديثا شلال «أون» الذي يعترض المياه المتدفقة بغزارة نحو النيل.

وقفت أتأمل عنق النهر الضيق عند نقطة الالتحام من منبعه، وارتفعت يدي دون وعي أتحسس عنقي، وإحساس له رهبة غريبة ورجفة؛ ذلك أن هذا العنق الصغير الضيق هو شريان الدم في أرض جسدي. إنه عنقي، ومع ذلك فهو ليس في جسدي، وإنما هو في جسد آخر، أوغندة تموج بأعنف الهزات السياسية في عهد عيدي أمين.

وعلى هضبة الحبشة العالية وفي أديس أبابا التي ترتفع عن سطح البحر بحوالي سبعة آلاف قدم كانت الأمطار تهطل طول النهار والليل، وأدرك بحكم معلومات الابتدائية أن هذه الأمطار تحمل الري والطمي إلينا فأغتبط لصوت الرعد وأقول لنفسي: هذه المياه الغزيرة ستتدفق على أرض الفلاحين. وسمرة أهل الحبشة كسمرة أقاربي في قريتي «كفر طلحة»، وفيهم أيضا تلك الوداعة والهدوء رغم التقاطيع الحادة التي تنقلب بسرعة عند الغضب كما ينقلب الجو فجأة من شمس ساطعة إلى برق ورعد ومطر، وفي أوغندة أيضا ترى الملامح فيها رقة وهدوء لكنها سرعان ما تتغير عند الغضب وتصبح كالسيف أو كطلقة الرصاص.

وفي مطار «عنتيبي» حين هبطنا من الطائرة أدركنا أننا الوحيدون زوار أوغندة، كنا أربعة فقط (زوجي وابنتي وابني وأنا)، ونظر إلينا عمال المطار في دهشة واستطلاع، فمن هؤلاء المغامرون القادمون إلى أوغندة في مثل هذه الفترة المتوترة؟! ونصحنا المشرفون على فندق بحيرة فيكتوريا في «عنتيبي» ألا نغادر الفندق بعد غروب الشمس .

وفي دار السلام أيضا، وفي نيروبي وجهوا إلينا النصيحة نفسها: لا تسيروا في الشارع بعد غروب الشمس، إحساس دائم بالخطر لم أشعر به من قبل إلا في مدينة نيويورك، وبقدر ما يكون النهار صاخبا مليئا بالشمس والحركة والحيوية بقدر ما يصبح الليل مظلما موحشا صامتا يوحي بالخطر، وفي مدينة «نيروبي» في كينيا التي بنيت على أحدث طراز تبدو المدينة نشطة سابحة في جو من المدنية الحديثة، ولكن ما إن يجيء الليل حتى تخلو الشوارع إلا من قراصنة الليل، وفي «دار السلام» وقبل أن تغرب الشمس ترى شبان تنزانيا وشاباتها يتنزهون على شاطئ المحيط الهندي، والصبية بأقدامهم السوداء الحافية يبيعون البيض المسلوق أو المانجو الخضراء، يجلس الصبية أمام المشتري ويقشر البيضة ثم يشقها بمعلقة صغيرة ويحشوها بالشطة، وكذلك المانجو الخضراء تقطع بالسكين وترش بالشطة، وفي المقاهي ترى النساء كالرجال جالسات فرادى أو مجموعات يشربن البيرة ويدخن ويتحدثن في السياسة، لكن ما إن تغرب الشمس حتى تخلو الشوارع من الناس، ويخيم على «دار السلام» الظلام والصمت، إلا تلك الأضواء الصغيرة المنبعثة من السفن الراسية في الميناء. وقد تصحو في منتصف الليل على صوت استغاثة مكتوم فتدرك أن أحد قراصنة الليل قد انقض على فريسة. إن الخطر هنا كأي خطر في أي عاصمة أخرى مبعثه اللصوص وقطاع الطرق.

ويقولون عن «نيروبي» عاصمة كينيا أنها عروس أفريقيا، فهي مدينة بنيت على أحدث طراز إلا أنها بدت كالعروس التي ترتدي فستانا جميلا من الخارج، وملابسها الداخلية قبيحة. هذه الازدواجية رأيتها في عواصم البلاد غير المتحررة، أو التي تحررت ظاهريا فقط، والعواصم التي تشبه «نيروبي» في عالمنا الثالث كثيرة، وتذكرت «بانجوك» عاصمة تايلاند وأنا أسير في شوارع نيروبي؛ فالعمارات الحديثة هي العمارات، والسيارات الأمريكية هي السيارات، والشوارع الأسفلت العريضة هي الشوارع، والنواصي التي تقف عليها المومسات هي النواصي، وأفلام الجريمة والجنس الأمريكية المعروضة في دور السينما هي الأفلام، ومعظمها كتب عليها: «ممنوع لأقل من 16 عاما»، والإعلانات عن سجائر «كنت» وسيارات كاديلاك وسفن أب وكوكولا.

وتوقفت لحظة أمام إحدى دور السينما أتأمل طوابير الشباب الأفريقي، شباب أعزل تماما في مواجهة الخطر الزاحف، هذا الطوفان من الفن الرخيص. هذا الغسيل المخي الرديء، يتكرر كل يوم وكل ليلة، ليس في بلاد أفريقيا وآسيا فحسب ولكن في بلادهم أيضا في أمريكا وأوروبا، وقد رأيت طوابير الشباب أمام مثل هذه الأفلام في نيويورك ولندن وباريس، لكن الشباب الغربي اكتسب نوعا من المناعة ضد هذا الخطر، ربما هو الارتفاع النسبي في مستوى الحياة الثقافية والاقتصادية، أما شبابنا الأفريقي فهم عزل، وما من سلاح يحميهم من هذا الوباء.

شاب أفريقي طويل يرتدي سلسلة حول عنقه، وقميص ملون رسم عليه قلب وكلمة: «أحب نيويورك» بالإنجليزية، يدخن سيجارة «كنت» ويمضع لبانة، وإليتاه البارزتان تهتزان داخل بنطلون «جينز ضيق».

رأيته قبيحا، وأقبح منه مدينة «نيروبي»، وأدركت السبب الحقيقي وراء ما نسميه قبحا، إنه التناقض بين التأنق الخارجي والفساد الداخلي، سواء في الإنسان أو في المدينة. •••

ولم تكن رحلتي لأفريقيا سياحية؛ فالسياحة كالتكنولوجيا حكر على ذوي البشرة البيضاء من سكان «العالم الأول» الذين استطاعوا بثرواتنا أن يجدوا من المال والفراغ ما يساعدهم على التريض والمتعة والسياحة. أما نحن الذين أطلقوا علينا اسم «البلاد المتخلفة» فلم يخلفوا لنا إلا الفقر أو الإرهاق الجسدي سعيا وراء سد الرمق، ولم يعد لنا من السياحة نصيب إلا أن نكون «المناطق السياحية» التي يأتي إليها هؤلاء البيض ذوو الوجوه المتوردة والعيون الزرقاء اللامعة، يأتون في إجازاتهم للفرجة علينا بمثل ما يتفرجون على المتاحف وحدائق الحيوانات، ويندهشون الدهشة نفسها لمنظر فقرائنا وشحاذينا.

Bilinmeyen sayfa