وهكذا أسدل الستار على مأساة عام 1971 في تاريخ الهند إثر قرار التقسيم، ومآسي أخرى راح ضحيتها آلاف الهنود قبل أن يؤدي الاستعمار الإنجليزي طقوس الوداع الأخير لأهم المستعمرات في الإمبراطورية البريطانية المتهاوية شيئا فشيئا. •••
وها هو صوت أمريتا بريتام شاعرة البنجاب والبنغال وبيننا صينية الشاي في بيتها الصغير في نيودلهي: تآمر إنجليزي تحت ستار التوحيد الديني، شطروا وطني وأهلي شطرين: شطر في الهند وآخر في باكستان، وحدثت أكبر هجرة وأكبر مذبحة في التاريخ، فرض على الهنود المسلمين أن يهاجروا إلى باكستان، وعلى الهنود غير المسلمين أن يهاجروا من باكستان إلى الهند، وفي الطريق ذبح الآلاف من الفريقين وكل فريق يدافع عن آلهته، لو لم يكن هناك لخلقها الاستعمار الإنجليزي ليمزق الشعب الهندي.
ولاحت لي بيروت والمذابح الطائفية، وتذكرت كلمات «ماريون» صديقتي الأمريكية: عندنا في الجامعات وأجهزة المخابرات أقسام تبحث وسائل استخدام الأديان والأقليات لخلق الفتن الطائفية وتقسيم البلاد على أساس اختلاف الدين والآلهة.
تصاعد الدم في وجه الرجل الإنجليزي العجوز صاحب شركة شاي هندي وصاح مدافعا عن قدسية الآلهة وهو يرشف الخمر المعتق من كأس بلوري، وينفث دخان سيجارة الهافاني في وجوه الآخرين، وانتقل من الدفاع عن الإله شيفا وفيشنو إلى اتهام أنديرا غاندي التي عصت الآلهة وظلت تعيش بعد موت زوجها، ويا ليتها تعيش فحسب، ولكنها تحتكر السلطة، وتصادر حرية الشعب الهندي.
وظهرت علي علامات الدهشة، وحملقت في عينيه الزرقاوين الضيقتين كالمأخوذة وتساءلت: يبدو أنك شديد التدين وشديد الحرص على حرية الشعب الهندي!
وحملق بدوره في وجهي ثم قال بصوت الآلهة: نعم، نحن في إنجلترا متدينون ونحترم كل الأديان ونحرص على الديمقراطية لكل الشعوب، وخاصة الشعب الهندي الذي يربطنا به تاريخ عريق وصداقة قديمة.
وقالت أمريتا بهدوء: نعم، صداقة قديمة وتاريخ عريق مقدس بدماء الشهداء الطاهرة، ورفع صاحب شركة الشاي الهندي صوته الإنجليزي قائلا: نعم، فنصلي جميعا على روح الشهداء المجهولين وندعو لهم بالرحمة والغفران ودخول الجنة آمين، ثم قذف في جوفه ببقية «الويسكي».
مدينة العبادة والدعارة
الطائرة تحلق في سماء تايلاند، أنوار بانجوك تبدو تحت الجناح الفولاذي الضخم كآلاف الفصوص في عناقيد من اللؤلؤ، صوت المضيفة ينبه إلى ربط الأحزمة وإطفاء السجائر استعدادا للهبوط، عجلات تلامس الأرض بخفة كأنما تنزلق فوق الماء، موسيقى راقصة تنبعث من سقف الطائرة.
أهز رأسي مع اللحن، رجل عجوز يرمقني بعينين رماديتين من تحت النظارة.
Bilinmeyen sayfa