Zaki Najib Mahmud'un Düşüncelerinde Bir Yolculuk
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
Türler
29 (3)
والنظرة العلمية تنظر إلى الواقع كما هو لتحوره إلى واقع جديد إذا أرادت، دون أن تقيم بينها وبين الواقع حائلا تنسجه الأوهام، ثم سرعان ما ننسى أنها أوهام، فإذا كان البدائي يخلق لنفسه الخرافة، لينظر بمنظارها إلى واقع الدنيا، فإن صاحب النظرة العلمية هو الذي يواجه تلك الوقائع كما تبدو لبصره وسمعه. (4)
على أن النظرة العلمية لا تعني أن نجمع في خزائننا مجموعة من حقائق العلم، وإنما هي في أساسها أن نكتسب المنهج العلمي في طريقة النظر. والمشكلة عندنا حتى بالنسبة لدارسي العلوم في جامعاتنا، أن الدارس يحفظ عن ظهر قلب مجموعة من الحقائق العلمية، دون أن يصبح المنهج العلمي طريقا ينتهجه في حياته العلمية؛ ولهذا جاز للرجل أن يكون نابغا في العلم ثم تراه في الوقت نفسه، خارج حدود علمه، مؤمنا بالخرافة كأي إنسان آخر ممن لم يهبهم الله حظا من العلم.
30
أنه إذا كانت مجموعة الحقائق العلمية التي يحفظها أبناؤنا في المدارس والجامعات، بمثابة قطع من نفائس المعادن، فإن «المنهج» الذي أوصلنا إلى تلك النفائس هو بمثابة المنجم الذي نظل نستخرج منه النفائس بعد النفائس، وبغيره نجمد عند ما حصلناه، لا نزيد عليه كبيرة ولا صغيرة.
31
ولهذا فقد كان مفكرنا يركز تركيزا أساسيا على «منهج التفكير»، وهو يروي في سياق اهتمامه بهذا المنهج، تلك الحكمة الصينية التي تروي أن فقيرا جائعا، مر بصائد سمك راح يستجديه، فأعطاه سمكة يسد بها رمقه، غير أن الحكيم الصيني الذي شاهد الموقف قال له: خير لك أن تعلمه صيد السمك، من أن تتصدق إليه بسمكة؛ فالسمكة المعطاة هي وجبة واحدة، تأتي بعد زوالها حاجة متكررة إلى وجبات، أما إذا تعلم الصيد فسوف يجد ما يشبعه كلما جاع! «... وعلى منوال هذه الحكمة النافذة أدرك صاحبنا منذ كان في غربته الدراسية، أن تدريب المتعلم على منهج التفكير المنتج، خير الف مرة من مضاعفة المادة العلمية المحصلة؛ لأن مقدار ما يحصله الدارس من مادته العلمية مهما كثر فهو قليل، وأما من زود عقله بمنهج التفكير العلمي؛ فهو قادر أبدا أن يلتمس الطريق الصحيح ...»
32
أما الشق الثاني من «النظرة العلمية» التي اهتم بها مفكرنا في هذه الفترة اهتماما شديدا توارت معه، إلى حين، المشاعر الدينية التي كانت تعتصره في المرحلة الأولى؛ فيتمثل في اتجاهه إلى الانتماء إلى «المذهب الوضعي المنطقي»، وهو انتماء أساء إليه كثيرا عندما لم يفهم فهما صحيحا أو يوضع في إطاره ودوره الحقيقي، فقد ظن بعض الباحثين أن زكي نجيب محمود «اعتنق» المذهب الوضعي «وتعصب له بوصفه مذهبا فلسفيا»، وأنه أخذ على عاتقه الدعوة إليه في حياتنا الثقافية، بكل ما يملك من قوة ذهنية وبلاغة لغوية، في كتبه أو محاضراته، ومقالاته، وندواته ... إلخ، حتى استطاع أن ينمي حوله تيارا فكريا مستمدا من أصول هذه الفلسفة.
33
Bilinmeyen sayfa