============================================================
الواقع أن الإمام كان من أهل الخلفاء ، الذين لا يحبون الظهور والشهرة، بل يؤثرون العمل الدائب مع خمول الذكر .
ولئن كانت شخصيته لم تشتهر فإن أضواء منهجه قد تجمعت في آنقى وأضخم عدسة جامعة للنور، وفاضت منها إلى آرجاء الاسلام شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، وتلك العدسة الهائلة هي الإمام الجنيد بن محمد البغدادي تلميذ الإمام المحاسبي وحامل منهجه النفسي إلى طرائق التصوف في العالم كله.
وما تلك الدراسات الصوفية في مجال تهذيب النفس وإخضاعها لسلطان الروح إلا ما تفرق من شعاع منهج الامام المحاسبي عن طريق الإمام الجنيد .
اما نصوص الأمام المحاسبي وكتبه فقد بقيت طوال تلك القرون حبيسة الصدور المخلصة، كما هي حبيسة خزائن المخطوطات، حتى أخرج المستشرقون منها كتابي الرعاية " و " التوهم" على علاتهما ، ولم يجاولوا تحقيق نصوصهما ، ولكنهم مشكورون على أي حال.
والحق أن الموسوعات التي ظهرت في الدراسات النفسية الصوفية كلها شرح وتوسيع وتعميق لمختصرات الإمام المحاسبي الوافية المركزة السهلة الشائقة. وفي عصور الاضطراب الفكري، وحيرة الإنسان بين أكداس الأفكار التي وضعت اسعاد الإنسان وخلاصه من الفتن يحتاج الانسان إلى مختصرات مركزة وافية سهلة صافية العرض نابعة من قلب مخلص، ولم يكن ذلك العصر إلا عصرنا الحديث ، ولم تكن تلك المختصرات الواضحة إلا تراث الإمام المحاسبي.
لقد ادخر الله تعالى هذا التراث المجيد إلى آوانه ، فقد أراد الله لمنهجه الانتشار الواسع على يد تلميذه الإمام الجنيد : فلما نهتخذ منهجه قاعدة عالمية واسعة على الصورة التي نراها الآن، لم يبق إلا أن شاءت إرادة الله في هذه الأيام أن يظهر تراث الاامام، حتى يعود من كان قد شطحت به روحه، أو خدعته نفسه إلى جادة الصواب، وفطرة الإسلام التقية الصافية ، وبذلك تتجلى الحكمة الإلهية العليا في إيتاء
Sayfa 21