============================================================
الامام المحاسبي لم يكن مريضا نفسيا، وإنما كان رجلا يعيش في النصف الأخير من القرن الثاني، وأواخر النصف الأول من القرن الثالث ، وقد زحفت مدنيات مسمومة على بلاد الاسلام، واحتاجت الكثيرين من رجال الفكر في الدولة ، بل لقد أصبحت مجالس الشراب والقيام أمل الجماهير الذين يرتادون مجالس الشعراء، بل وتصور الخلفاء.
وتفتحت عيون كثيرة مخلصة تلتمس طريقا للخلاص من هذه الفتنة العمياء وللعودة بالمجتمع الإسلامي إلى بساطته والتزامه نحو الآخرين .ا و أخطأ الكثيرون الطريق، وبدأ الإمام المحاسبي يرسم الطريق الأمثل لقيادة الجتمع نحو قمته التي كاد ينزلق منها إلى هاوية التدهور والانحلال.
وأمن بفكرته، ونفذها مع نفسه قبل أن يطالب بها الآخرين، وبدأ يصنع المنهاج النفسي القويم لاصلاح النفوس المريضة، ويضع الموازين والمقاييس لقياس النتائج التي قد يبدو للسالك أنه حصل عليها من جهاده مع نفسه .
فالإمام المحاسي هو ميزان النفوس السليمة من الانحراف، وميزان الأرواح الصادقة الجائلة في المجهول من عوالم المعرفة والصفاء والمكاشفات، وأهاب بالناس أن حاسبوا أنفسهم على كل خطوة وعمل، وأن يراقبوها ويفاتشوها بين حين وحين لاكتشاف ما تنطوي عليه من خداع وكذب دفين، وأعلن اتهامها بالتقصير حتى ولو بلغت قمة الصلاح والاستقامة على الجادة والسبيل الأقوم.
5 - لماذا أهمل تران المحاسي لقد اشتهر تراث من تتلمذوا على المحاسبي كالامام الغزالي وغيره، ولكن تراث الإمام بقي زمنا طويلا في غيابة النسيان، وحتى تراجمه في المراجع لم تحظ بعناية على علو مقداره، اللهم إلا الامام أبو نعيم، الذي أفاض في حليته الحديث عنه وعن آرائه، فلماذا؟
Sayfa 20