391

قد كان من حق الموارنة بل المردة في الماضي أن يحاربوا العرب الذين جاءوهم ينادون: الجزية أو السيف أو الإسلام، ومن حقهم أن يرفضوا الثلاثة، ولكن لا جزية اليوم ولا سيف ولا إسلام، إنما هي دعوة إخوان لنا في الوطنية، دعوة سلام وولاء، دعوة إلى التعاضد والتضافر في تشييد وطن أساسه الحرية والعدل والمساواة، فهل يتقدم السوريون المسلمون ويتأخر اللبنانيون المسيحيون؟ هل يرفع علم سوري في دمشق وعلم إفرنسي في لبنان؟

قلت في بدء مقالي إني سوري أولا، ولبناني ثانيا، وماروني بعد ذلك، أي: أني وإن كنت من سلالة المردة، ابن هذا الزمان، وبيني وبين أجدادي ألف سنة من التطور، والرقي والعلم والعمران. فإذا قلبت الآية لا أكون خائنا بلادي، جاحدا ديني، بل أكون مخلصا لنبوغ أمتي، عاملا بسنة التطور التي ينبغي أن تسود بلادي وشعبي.

على رسلكم إخواني، إني لبناني مثلكم، ولكني أعتقد اعتقادا شبيها بالإيمان وهو أن لا حرية ولا استقلال لسوريا إلا إذا كان كل سوري يقلب الآية ويسلك بموجبها، فيقول الأرتودكسي اللبناني: أنا سوري أولا، ولبناني ثانيا، وأرتودكسي بعد ذلك. ويقول الدمشقي: أنا سوري أولا، ودمشقي ثانيا، ومسلم بعد ذلك، ويقول الحوراني: أنا سوري أولا، وحوراني ثانيا، ودرزي بعد ذلك، ويقول الفلسطيني: أنا سوري أولا، وفلسطيني ثانيا، ويهودي بعد ذلك.

أجل إخواني، إن الوحدة الوطنية لا تكون إلا بمثل هذا الانقلاب الديني بل هذا التطور الاجتماعي الوطني، وإن الوحدة القومية وإن بدت اليوم حلما من الأحلام كائنة لا محال، هي حلم ستحققه الأيام. إي إخواني اللبنانيين لنتطلع إلى الأمام، فقد شغل الفينيقيون دورا من التاريخ كما ينبغي، وقد استبسل المردة في سبيل ملوك بيزنطية السفاحين من أجل الدين، فمثلوا دورهم في ذاك الزمان كما ينبغي، وقد مثل الموارنة الذين حاربوا مع الصليبيين دورهم كما ينبغي، ونحن اليوم في زمان غير زمانهم، وأحوالنا غير أحوالهم، وعالمنا السياسي غير عالمهم، يجب علينا إذن نحن أبناء هذا الزمان أن نمثل دورنا كما ينبغي لنا. إن مزج الدين بالسياسة يقضي على الاثنين بالفساد، وإن وطنية فيها مساعدة إفرنسية دائمة هي وطنية فاسدة في بادئ الأمر، زائلة لا محال في آخره.

إني أغار يا إخواني اللبنانيين على مصلحة لبنان كما تغارون، وأجاهد في سبيله كما تجاهدون، إلا أني أرى حدودا أوسع من الحدود التي ترون وتطلبون، ولا أخاف على اللبناني إذا شارك في بعض أموره السياسية والاقتصادية الدمشقيين، بل أعتقد أن اللبناني فردا إنما هو في منزلة أرقى الشعوب، ولا يكون مغلوبا على أمره حيث كان وكيف كان. أومن حاجة لأن أشير إلى نبوغه ونشاطه ونهوضه خارج بلاده؟ أضف إلى ذلك أن العقل يسود دائما في شئون الأمم وسياسات الدول، العقل هو الأكثرية، وإن خوفنا على اللبناني إهانة له.

أجل إننا نهين اللبنانيين عندما نطلب لهم استقلالا ضمن دائرة صغيرة كلبنان الصغير أو الكبير، بل نظلمهم إذا حصرنا مواهبهم وقواهم كلها في صخور لبنان.

عشرون حجة

لو لم أكن أعتقد اعتقادا تاما أن مصلحة جبلنا وخير أبنائه إنما هما في اتحادنا مع إخواننا في الداخلية لما كنت - والله - أقول كلمة في هذا السبيل، بل لكنت من الداعين إلى عكس ذلك. أجل، إن خلاصنا، وسعادتنا، ونجاح بلادنا في الحال والاستقبال؛ تتوقف على أمر واحد نقرره اليوم، وهو اتحادنا وإخواننا السوريين، ولا أسأل النازعين إلى الانفصال العدول، ولا أتوقع في ما أقوله القبول، دون أن تسمعوا برهانا بل براهين فإذا كنت أقول بالاتحاد وأعتقد أن ما أقول هو الحق فلي على ذلك عشرون حجة: (1)

إن تقسيم البلاد السورية إلى ولايات مستقلة تماما بعضها عن بعض يقضي على استقلالها ووحدتها، ويمكن منها الطامعين بالاستعمار. (2)

إن تقسيمها إلى «دوائر نفوذ» أوروبية يعيد إلى الوجود المسألة الشرقية التي كانت السبب الأول في بلائنا وتأخرنا، كيف لا وقد كانت بلادنا - لا أذكر الجبل وتدخل القناصل في شئونه كلها - مسرح أطماع الدول الأوروبية، وكنا نحن ضحية سياستهم الخارجية وأغراضهم التجارية. (3)

Bilinmeyen sayfa