388

وكنت وأنا أطالع مقال زيدان الابن أتوق دائما إلى شعلة حماس في حججه الدامغة ، والحماس لا يشين علم العالم، وإن كان مثل الشاعر فوق الأحزاب، وإن موهبة الواحد في نظري لهي شطر من موهبة الآخر.

العالم عين الأمة والشاعر روحها، وإن أمة فيها عالم واحد وشاعر واحد لأمة حية راقية، لا تضمحل وإن تشتت أبناؤها في أربعة أقطار العالم. فعلى الشاعر أبي ماضي وعلى العالم زيدان؛ سلام من أخ لهما، يحزن لما صارت إليه بلاده ولكنه لا يبكيها ولا يندبها، فإن أورشليم رغم مراثي أرميا لا تزال على وجه الأرض، وإسرائيل رغم تشتت أبنائه لا يزال حيا عزيزا بما له من نفوذ في بلاد الله، وسوريا أخت أورشليم، والسوري جنسا - في الأقل - ابن عم إسرائيل.

نحن اليوم في موقف يستوجب - فوق كل شيء - الشجاعة والصبر، ثم الشجاعة والصبر، والسياسة وإن بلبلت شعبا ما فهي لا تستطيع استئصاله. أجل، إن الأمة التي لا تقنط لا تموت، فإذا حرمنا نحن اليوم التمتع بأمنيتنا الوطنية لا بد - إذا واصلنا الجهاد في سبيلها - أن يتمتع بها أبناء سوريا في المستقبل.

التطور والاستقلال

أنا سوري أولا، ولبناني ثانيا، وماروني بعد ذلك، أنا سوري أنشد الوحدة السورية، القومية، السياسية، الجغرافية. أنا سوري أجل مسقط رأسي لبنان، وأحترم مصدر لغتي العرب، وأستوكل في ديني الله وحده. أنا سوري لبناني أفتخر ببطولة المردة، كما أني أفتخر بصدر الإسلام وبمجد بني أمية في الأندلس، أنا سوري لا ينسى نهضة العرب على الأتراك ومن شاركهم بها واستبسل في سبيلها من السوريين واللبنانيين، ولن ينسى شهداء الوطن وما قاساه اللبنانيون من الأهوال حبا بفرنسا والفرنسيس. أنا سوري يود أن يرى في سوريا حكومة دستورية لا مركزية، أساسها العدل والمساواة بالحقوق والواجبات، وعمودها الوحدة الجنسية الجغرافية.

أنا سوري لبناني أعتقد بفصل الدين عن السياسة فصلا تاما دائما، لا قولا فقط بل فعلا وشرعا؛ لأني مدرك - كما يدرك كل عصري عاقل حر - أن حجر العثرة الأول في سبيل الوحدة القومية إنما هو التحزب الديني. أنا سوري لبناني ماروني أنظر إلى الماضي مودعا، وأتطلع إلى المستقبل مسلما مستبشرا .

قلت مرارا ولا أزال أقول بفصل الدين عن السياسة، قلت مرارا ولا أزال أقول برفع العصبية الوطنية على العصبيات الدينية كلها. كان السوريون في الماضي - ولا يزال أكثرهم اليوم - ينتسبون أولا إلى دينهم ، ثم إلى مسقط رأسهم، ثم إلى وطنهم فيقول اللبناني الماروني: أنا ماروني شبابي مثلا لبناني. ويقول الدمشقي المسلم: أنا مسلم دمشقي سوري، فقلبت الآية لتوافق روح الزمان بل روح التطور والعمران. ولا خلاص لنا من التحزبات الطائفية، المبددة، المهلكة، إلا بنمو هذه العاطفة الجديدة فينا. الوطن أولا في قلب من يحب الوطن حقا ويجاهد في سبيله، والطائفة أولا في قلب من يتشدق بحب الوطن وهو لا يريد بالوطن غير طائفته.

هب أن زعماء الطوائف السورية كلها اتفقوا في حكومة واحدة سورية وقاموا يؤسسونها كإسلام ومسيحيين بل كسنيين وشيعيين ودروز وموارنة وأرثوذكس ويهود؛ فاتحادهم لا يدوم طويلا، وإذا دام لسبب ما يظل متزعزعا واهيا لا يؤلف من القوميات الدينية قومية واحدة وطنية، لا، لا. ما زال المسلم في دار الأحكام مسلما، والماروني مارونيا، وقس على ذلك. ما زلنا أمة مقسمة عاجزة تؤثر صالح الطوائف على صالح الوطن، بل تفضل المآرب الذاتية على الصوالح العمومية.

إني ممن يعتقدون، على كل ما حدث في سوريا في السنة الماضية

2

Bilinmeyen sayfa