أما الآن فأعود إلى القصيدة التي راقتني جدا، قد أجاد إيليا أبو ماضي شعرا وأحسن خيالا، ولكنه خدع نفسه والقارئ معا في استسلامه في أول القصيدة إلى القنوط، قد ظن نفسه يائسا، ظن رأيه دفينا، ظن فكره ذبيحا، ولكن ربة الشعر أتته بمعجزة من معجزاته فأرته في النهاية يأسه الدفين وقد نور أملا جديدا.
ساقني روح خفي
نحو ذياك المكان
فإذا بالسر أضحى
زهرة من أقحوان
زهرة الأمل ما أجملها، وإن كانت بنت يوم تجدد حياتها الأيام، لا يا أخي الشاعر، آلهة الشعر لا تعلم اليأس، وربة النبوغ لا تعرف القنوط.
بكى أرميا أورشليم، وأورشليم لا تزال على وجه الأرض، ولعن أشعيا إسرائيل وإسرائيل، لا يزال حيا يعد النقود ويصيغ منها قيودا للناس!
ابسم يا صديقي الشاعر للأيام وإن كانت عصيبة، القنوط سم للنفس، والبكاء لا يفيد الأمم، ولا يخفى عليك أن من شأن الشاعر في المواقف الوطنية أن يشحذ النفوس ولا يكسرها، أن ينير القلوب ولا يحرقها.
وأنت يا صديقي العالم أكرم بك وأنعم من بحاث نقاد مجرد من الغايات النفسية والمآرب السياسية. ولكن البحث في شئون الأمم بحثا علميا لا يفيد وحده، التعليل حسن، وإزالة العلل أحسن، ونور الشمس للعليل خير من الاثنين، أجل، إن العلم الصحيح ما أقام إلى البناء دليلا، وأوجد إلى العمران سبيلا.
قرأت قصيدة أبي ماضي فقلت في نفسي: إن اليأس في من يحسن مثل هذا الشعر، ويتجلى له مثل هذا الخيال لمن المخيرات لا المصيرات، هو يأس اختيار لا يأس اضطرار.
Bilinmeyen sayfa