من اللّبْس، مَا تعاضد الظَّن بالحدس، وتعاقب الْيَوْم مَعَ الأمس. وَبعد، فَإِن الصنايع إِن تشرفت بغاياتها، وتميزت عِنْد التَّعَامُل براياتها، فعلوم الْأَدْيَان والأبدان، صادعة فِي الْفضل بآياتها، متوصلة إِلَى النُّفُوس الناطقة بإفادة كمالها، وَحفظ حَيَاتهَا، وَلذَلِك مَا صرفت إِلَيْهِمَا الأنظار والأفكار أَعِنَّة عناياتها. وَرُبمَا كَانَت عُلُوم الْأَبدَان، لسواها أصولا، وَلم يرج الراجي لعلم الْأَدْيَان، قبل علم الْأَبدَان، حصولا. فَإِن مَقَاصِد الشَّرْع صلوَات الله عَلَيْهِ وَسَلَامه، إِنَّمَا تنَال الصَّحِيح السوي، والمطبق الْقوي. وَهَذِه الْحَالة حسية فِي الْغَالِب عَن سياسة الْجِسْم، بِحِفْظ الصِّحَّة، وَإِزَالَة السقم. فوضح فضل صناعَة الطِّبّ وَتبين، وتقرر غنَاؤُهَا وَتبين. وَلما كَانَ غرضها المهم، وغايتها الَّتِي بِالْفَصْلِ إِلَيْهَا تتمّ، حفظ الصِّحَّة إِذا حصلت، وردهَا إِلَى معتادها كلما انْتَقَلت وَارْتَحَلت، وَكَانَت النَّفس لَا تقدر قدر الْحَاصِل المصاحب، وَلَا تسير من إِيجَاب حَقه على السّنَن اللاحب شَأْنهَا فِي الصِّحَّة والشباب، والتمتع بالأحباب، والغنى والأمان، ومساعدة الزَّمَان حَتَّى إِذا ذهب، واسترجع الله مِنْهُ مَا وهب، قدر حنين قدره، وَأعظم أمره، وَكثر عَلَيْهِ الأسف واللهف، وأمل الْعود، وَرمى الْخلف، على هَذَا تبع السّلف الْخلف، إِلَّا من بَان لَدَيْهِ بالحكمة الكلف. كَانَت الْعِنَايَة باسترجاع نعْمَة الصِّحَّة أَشد وَالْكَلَام فِيهَا أمد، والتدوين قد جَاوز الْحَد، فكثرت كنانيش الْعَالم ودواوينه، وتعددت أغراضه وأفانينه، وألفى القَوْل فِي حفظ الصِّحَّة المستقرة وصون حماها من طرق الْغرَّة، تافها من كثير، وَلَفْظَة من نثير، وَلَو حكم الأنصاف لَكَانَ حفظ الصِّحَّة أولى بالعناية، وأحق بالإفصاح وَالْكِنَايَة، إِذْ لَو حفظ مِنْهَا الْعرض، لقل أَن يروع سربها الْمَرَض، فَظهر لي أَن نعتني بِمَا أغفل وأهمل، وَاعْتبر وتؤمل، وَأَن أفصل وأجمل، وأتمم وأكمل، وأدون فِيهِ كتابا، يعظم فِي الْخلق نَفعه وجدواه، ويحق الافتقار لما سواهُ، وَأَرْجُو بِهِ إِحْسَان الله، وَلكُل امرىء مَا نَوَاه] .
1 / 54