الخليفة العباسى الثانى، وهو الحادى والعشرين بالنسبة إلى النبى (عليه السلام)، وأمه أم ولد سلامة البربرية، ذهب المنصور فى آخر أيام أخيه للحج، ولما عاد بلغه خبر وفاة أخيه، وكان قد جعل ولى عهده عيسى بن موسى بن محمد الكامل، فخلع عيسى، فأرسل إلى عبد الله بن على قائلا له: بايعنى، فقال عبد الله: لقد جعلنى السفاح ولى عهده وقد طهرت الدنيا من بنى مروان، واستوليت على مدينة دمشق؛ فبايعنى، ولما سمع الجواب على هذا النمط، أرسل أبا مسلم لمحاربته، فمضى أبو مسلم إلى الشام وحاربه، ووقع عبد الله فى الأسر، ولما بلغ الخبر الخليفة أرسل كاتبه عتبة بن حمزة؛ ليثبت الغنائم، ويطلب السيف الخاص بعباس بن عبد المطلب الذى كان أعطاه السفاح لعبد الله، ولما وصل وسلم الرسالة، غضب أبو مسلم من هذا الكلام، وقال: من يبذل روحه يحمل كل ما وجد ولأمير المؤمنين أم يقهر الخصم، وأن تكون له الولاية كلها، وأرسل عبد الله بن على مع الأسرى إلى الكوفة واتجه مع جيشه إلى خراسان، ومع أن الخليفة قد سر بذلك النصر، لكنه خاف من ذهاب أبى مسلم، وأرسل عتبة بن حمزة فى الحال فى أثره، وكتب ميثاقا وأقسم قائلا: إنى لا أخالفك فى شىء فارجع فخراسان لك، وأمنحك الشام، ولما وصل عتبة إليه وبلغ الرسالة، رجع أبو مسلم.
حكاية:
حكى المسعودى فى تاريخه أنه فى شعبان سنة ست وثلاثين ومائة كان أبو مسلم قد جلس ذات يوم فى مجلس المنصور، فضربه عثمان بن نهيك وشبيب بن أواج بالسيف وقتلاه ولفاه فى بساط وغطاه، ودخل عيسى بن موسى ابن أخى الخليفة وقال: أين أبو مسلم؟، فقال الخليفة: كان هنا الآن، قال: عرفت حقا أن عقله ورأيه وفكره مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن على (كرم الله وجهه)، فقال الخليفة مجيبا:
والله لا أعلم عدوا على وجه الأرض أكثر عداوة من ذلك الذى لفوه فى هذا البساط، ولما رأى عيسى قال:" إنا لله وإنا إليه راجعون". فدخل من بعده جعفر بن حنظلة، فقال الخليفة: ماذا تقول فى شأن أبى مسلم؟، فقال جعفر: إذا كنت تنوى أن تقتلع شعرة من رأسه فما أكثر الدماء التى تسيل، فقال الخليفة: انظر فى ذلك البساط.
ولما نظر رأى أبا مسلم قتيلا، قال: يا أمير المؤمنين، اليوم هو أول يوم من خلافتك، وقال:
زعمت أن الدين لا ينقضى
وكلا أراه طعاما وبيلا
Sayfa 148