يقولون: حينما جعل أبو العباس مفتاح الخلافة فى يده، كان سبب التريث والتمهل الذى أبداه أبو سلمة الخلال فيما يتعلق بشأنهم، فخشى أن يظهر أحدا من السادات الحسينيين ويصبح سبب الفتنة، فأراد أن يدفعه واستشار حميدا وأخاه، فقال حميد: لا ينبغى أن نقوم بهذا العمل بغير مشورة أبى مسلم، فأرسل أخاه إلى خراسان، ولما وصل مرو استقبله أبو مسلم، وترجل عند البوابة، ومهما ألح عليه أبو جعفر؛ فلم يركب، ومشى حتى وصل إلى المنزل، وخدمه لحد لا يمكن وصفه، فأوصل منصور رسالة الخليفة فيما يختص بأبى سلمة، فقال أبو مسلم: نحن عبيد والأمر لأمير المسلمين، فعاد أبو منصور وجريف المروزى بالهدايا وكثير من التحف لخدمته لما فعله أبو سلمة فى تلك المدة مضى فيها المنصور إلى خراسان حتى ذلك الوقت الذى رجع فيه، وكان قد مر عامان وثلاثة أشهر، وكان أبو سلمة يأتى كل ليلة إلى الخليفة، ويلازمه إلى منتصف الليل، ولما عاد منصور من خراسان، كان أبو سلمة جالسا ذات ليلة عند السفاح، ولما عاد قتلوه فى الطريق، ولم يعلم أحد من الذى قتله، وفى اليوم التالى خلع السفاح على المروزى وأنعم عليه وأعاده.
والمغزى لهذه الحكاية أن كل من كان مشرفا بالملوك لا ينبغى أن يلوث ضميره قط بلوث الخيانة؛ لأنهم يغسلون لوث مرآته بماء السيف، ولا تمنع حقوق خدمتهم من الأخذ بالعقاب، ومغزى آخر أن الرجل العاقل إذا تشرف بخدمة الملك فلا ينبغى أن يثق على قربه ومكانته، ولا ينبغى أن يأمن لحظة سخط الملك 34.
شعر
إذا رأيت نيوب الليث بارزة
فلا تظنن أن الليث يبتسم 35
وكانت ولادة السفاح فى مدينة هراة فى عهد هشام بن عبد الملك، وكانت بيعته فى يوم الجمعة الثالث عشر من ربيع الأول سنة مائة واثنتين وثلاثين، وعاش تسعة وعشرين عاما، ويقولون: ثلاثة وثلاثين، وتوفى يوم الأحد الثانى عشر من ذى الحجة سنة مائة وست وثلاثين ، وكانت مدة خلافته أربعة أعوام وثمانية أشهر.
المنصور أبو جعفر عبد الله بن محمد:
Sayfa 147