احتسيت الكأس كلها بأسرع ما يمكن، ثم وضعت الكأس ووقفت أنظر إلى وجهي في النافذة، في شبه توقع أن أراه مختلفا. شعرت بحرقة في حلقي، لكنني لم أشعر بأي شيء آخر. كانت خيبة أملي كبيرة، بعد أن هيأت نفسي للأمر، لكنني لم أكن لأدع الأمر يقف عند هذا الحد. صببت كأسا ممتلئة أخرى، ثم ملأت كل زجاجة بالماء حتى المستوى الذي رأيتها عنده تقريبا عندما أتيت. احتسيت الكأس الثانية على نحو أبطأ قليلا من المرة السابقة. أنزلت الكأس الفارغة فوق الطاولة بعناية، ربما شعرت في رأسي بمجموعة متداخلة من الأشياء تحدث، فذهبت وجلست فوق كرسي بحجرة المعيشة. مددت ذراعي وأشعلت ضوء أباجورة أرضية بجانب الكرسي، وشعرت بأن الحجرة تنقلب فوقي. •••
عندما قلت إنني توقعت نتائج متهورة لم أقصد أنني توقعت هذا. فكرت في حدوث تغير عاطفي عارم، زيادة مفاجئة في الشعور بالسعادة وانعدام المسئولية، شعور بالجموح والانصراف عن الواقع، يصاحبه دوار خفيف وربما رغبة في الضحك بصوت عال. لم يطرأ بذهني أن السقف سيدور كأنه صحن ضخم قذفه أحدهم تجاهي، ولا أن تنتفخ البقع ذات اللون الأخضر الفاتح بالكرسي وتلتقي لتتفتت، فتلعب معي لعبة حافلة بقدر هائل من العداء الجامد العديم المعنى. تراجع رأسي إلى الخلف وأغلقت عيني. فتحتهما على الفور، فتحتهما محملقة بهما، ودفعت نفسي من فوق الكرسي وعبرت الردهة ووصلت - حمدا لله! حمدا لله! - إلى حمام آل بيريمان، حيث شعرت بالإعياء في كل أجزاء جسدي، في كل أجزاء جسدي، وسقطت على الأرض كالحجر.
ومنذ تلك اللحظة فصاعدا، لم يكن لدي تصور ثابت عما حدث؛ فذكرياتي عن الساعة أو الساعتين التاليتين انقسمت إلى أجزاء حية وأخرى غير محتملة الحدوث، ولا شيء سوى ضبابية وريبة بينهما. أتذكر بالفعل استلقائي فوق أرضية الحمام أنظر بزاوية جانبية إلى البلاط الأبيض السداسي الجوانب، والذي امتد في نمط منطقي وجذاب للغاية، أنظر إليه بامتنان متقطع مقتضب وبسلامة شخص مزقه القيء إلى أشلاء توا. ثم أذكر جلوسي أمام هاتف الردهة، أطلب بوهن رقم هاتف جويس. لم تكن جويس بالمنزل. أخبرتني أمها (امرأة حمقاء إلى حد ما، لم يبد أنها لاحظت أي شيء؛ الأمر الذي جعلني أشعر بامتنان تلقائي وواهن) أنها تمكث بمنزل كاي سترينجر. لم أعرف رقم كاي لذا طلبته من عامل الهاتف؛ شعرت أنني لا أستطيع المجازفة بالنظر في دليل الهاتف.
لم تكن كاي سترينجر صديقة لي، لكنها كانت صديقة جديدة لجويس. كانت لها سمعة غامضة عن سلوكها الجامح، وكانت تضع ضفيرة طويلة ملونة، على نحو غريب للغاية، وإن كان طبيعيا، بصفرة الصابون وبنية الكراميل. كانت تعرف الكثير من الشباب ممن هم أكثر إثارة من مارتن كولينجوود، شباب انقطعوا عن الدراسة أو استقدموا إلى البلدة للعب ضمن فريق الهوكي. ركبت هي وجويس في سيارات هؤلاء الشبان، وأحيانا ما ذهبتا برفقتهم - بعد أن كذبت كلتاهما على أمهما بالطبع - إلى قاعة رقص «جاي لا» التي تقع على الطريق السريعة شمال البلدة.
تحدثت مع جويس على الهاتف، كانت متوترة للغاية، كما هي دوما عندما يكون هناك شباب من حولها، وبدت أنها تسمع بالكاد ما أقول.
قالت: «لا أستطيع الليلة. بعض الشباب هنا. سنلعب الورق. تعرفين بيل كلاين؟ إنه هنا . روس أرمور ...»
قلت وأنا أحاول أن أنطق الكلمات بوضوح: «أنا «مريضة».» لكنها خرجت كحشرجة غير آدمية، «أنا ثملة يا جويس!» ثم تهاويت من فوق المقعد الصغير وسقطت سماعة الهاتف من يدي، وأخذت ترتطم على نحو بائس بالجدار لبرهة.
لم أخبر جويس بمكاني؛ لذا بعد أن فكرت جويس في الأمر للحظة هاتفت أمي، وبعد استخدامها لحيلة متقنة غير ضرورية تستمتع بها الفتيات الصغار، عرفت بمكاني. خرجت هي وكاي والفتية - كان هناك ثلاثة فتيان - وأخبروا والدة كاي بقصة ما حول المكان الذي سيذهبون إليه وصعدوا إلى السيارة وانطلقوا. عثروا علي ممددة فوق السجاد الواسع النسيج بالردهة. شعرت بالغثيان مجددا، وفي تلك المرة لم أنجح في الوصول إلى الحمام.
اتضح أن كاي سترينجر، التي لم تصل إلى المكان إلا من قبيل المصادفة، هي الشخص الذي احتجت إليه بالضبط. كانت تحب الأزمات، لا سيما الأزمات من هذا القبيل، التي تحمل سمة الشبهة والفضيحة والتي يجب إخفاؤها عن الكبار. أضحت متحمسة وجريئة وفعالة، تلك الطاقة التي اصطلح على تسميتها بالجموح كانت ببساطة فيضا لغريزة أنثوية هائلة لإدارة الأمور والمواساة والتحكم. استطعت سماع صوتها موجها نحوي من الاتجاهات كافة، تخبرني بألا أقلق، وتخبر جويس بأن تعثر على أكبر إبريق قهوة بالمنزل وتملأه بالقهوة (قهوة مركزة كما أخبرتها)، وأخبرت الفتية بأن يمسكوا بي ويحملوني إلى الأريكة. فيما بعد، في ضبابية الأحداث التي تتجاوز إدراكي، كانت تصيح في طلب فرشاة تنظيف.
بعد ذلك كنت مستلقية فوق الأريكة، ومغطاة بشيء يشبه الوشاح مصنوع من النسيج المحبوك وجدوه بحجرة النوم. لم أرغب في رفع رأسي. امتلأ المنزل برائحة القهوة. دخلت جويس شاحبة الوجه؛ قالت إن الأطفال استيقظوا لكنها أعطتهم الكعك المحلى وأمرتهم بالعودة إلى فراشهم، وسار الأمر على ما يرام، كما لم تدعهم يخرجون من حجرتهم، ولا تعتقد أنهم سيتذكرون. قالت إنها وكاي نظفتا الحمام والردهة إلا أنها تخشى من وجود بقعة على السجاد.
Bilinmeyen sayfa