دفعت أم لويس الجدة خلفها، وهي تبتسم في تزمت وحاجباها مرفوعان وبشرتها مشدودة فوق صدغها، ثم أخبرتني وهي عابسة الوجه في شرود ذهن: «لا عليك. لا عليك. خرف الشيخوخة.» ظلت الابتسامة تعلو وجهها، وارتخت بشرتها، وبدا أنها تستمع طيلة الوقت إلى جلبة وضجة مستمرة برأسها. ثم أمسكت بيدي أثناء سيري خلف لويس وهمست: «إن لويس فتاة طيبة، فلتحظ بوقت طيب، لا تدعها تكتئب! عمتم مساء!» بينما اختلج حاجباها وجفونها في حركة سريعة غريبة يبدو على ما أظن أن غرضها الأصلي هو المغازلة.
مضت لويس متخشبة أمامي، بينما تصدر تنورتها الرقيقة للغاية حفيفا. قلت: «هل تريدين الذهاب إلى حفل راقص أو شيء من هذا القبيل؟»
قالت: «كلا، لا أهتم.» «لكنك تأنقت في ملبسك ...»
قالت لويس بصوت خفيض ساخر: «دوما ما أتأنق في أمسيات السبت.» ثم بدأت في الضحك، ورأيت لمحة من أمها بها، ذاك الطابع الفظ الهيستيري. همست: «يا إلهي!» فأدركت أنها تقصد ما جرى في المنزل، فضحكت أيضا، إذ لم أدر شيئا آخر أفعله. وهكذا عدنا إلى السيارة ونحن نضحك كما لو كنا أصدقاء، لكننا لم نكن كذلك. •••
خرجنا من البلدة بالسيارة ووصلنا إلى منزل ريفي حيث باعت لنا امرأة زجاجة ويسكي تمتلئ بخمر منزلية الصنع متعكرة، شيء لم نحتسه - أنا وجورج - من قبل قط. أخبرتنا أديليد أن هذه المرأة ربما تسمح لنا باستخدام الحجرة الأمامية في بيتها، لكنها لم تسمح لنا في النهاية بسبب لويس. فعندما حدقت المرأة بي من أسفل القلنسوة الرجالي التي كانت ترتديها فوق رأسها وقالت للويس: «إن التغيير يجدد النشاط مثله مثل الراحة، أليس كذلك؟» لم تجبها لويس، ونظرت إليها في برود. بعد ذلك أخبرتنا المرأة أنه إذا كنا متعالين لهذا الحد هكذا فإن حجرتها الأمامية لن تليق بمقامنا، وأحرى بنا العودة إلى الأجمة. وطوال الطريق على امتداد الممر أمام المنزل أخذت أديليد تردد: «بعض الأشخاص لا يقبلون المزاح، أليس كذلك؟ أجل، إن التعالي ...» حتى أعطيتها زجاجة الخمر لإبقائها صامتة. نظرت إلى جورج، فوجدت أنه لا يبالي، ظنا منه أن هذا الأمر سيصرف ذهنها عن التفكير في الذهاب إلى أوين ساوند.
أوقفنا السيارة عند نهاية الممر وجلسنا فيها نحتسي الخمر. احتسى جورج وأديليد أكثر مما احتسينا. لم يتحدثا، فقط كانا يمدان يديهما لأخذ الزجاجة ثم يعيدانها مرة أخرى. كان هذا الصنف مختلفا عن أي شيء تذوقته من قبل؛ كان ثقيلا ويثير الغثيان في معدتي، ولم يكن له أي تأثير آخر، وبدأ يتملكني شعور كئيب بأني لن أثمل. وكانت لويس كلما ناولتني الزجاجة تقول: «شكرا لك.» بطريقة مهذبة تحمل احتقارا خفيا. وضعت ذراعي حولها، دون أن يكون لدي رغبة كبيرة في ذلك، بل كنت أتساءل ما خطبها، هذه الفتاة التي تستلقي على ذراعي، متهكمة ومذعنة وغاضبة وغامضة ، وبعيدة المنال. أردت التحدث معها أكثر مما أردت لمسها، لكن ذلك مستحيل، فالحديث ليس أمرا تافها في نظرها كما اللمس. في تلك الأثناء أدركت أنه علي تخطي هذا؛ تخطي المرحلة الأولى والدخول مباشرة في المرحلة الثانية، (إذ كان لدي دراية، رغم أنها لم تكن شاملة تماما، بتتابع المراحل المنهجي، وبطقوس الإغواء المتبعة في المقاعد الأمامية والخلفية للسيارات). تمنيت إلى حد بعيد أني قد رافقت أديليد.
قلت: «هل ترغبين في الذهاب في نزهة على الأقدام؟»
قال جورج من المقعد الخلفي: «هذه هي أول فكرة نيرة تقولها طيلة الليل.» ثم أخبرني أثناء خروجنا: «لا تتعجلا.» كان هو وأديليد متدثرين ويضحكان معا. «لا تتعجلا في العودة!»
سرت أنا ولويس بمحاذاة طريق للعربات بالقرب من الأجمة. كانت الحقول مضاءة بضوء القمر، باردة والنسيم يهب. شعرت الآن برغبة في الانتقام، فقلت بصوت خفيض: «حظيت بحديث شائق مع أمك.»
قالت لويس: «أتصور ذلك.» «حدثتني عن الشاب الذي كنت تواعدينه الصيف الماضي.» «هذا الصيف.» «لقد أصبح الآن الصيف الماضي، كان خاطبا أو شيئا من هذا القبيل، أليس كذلك؟» «أجل.»
Bilinmeyen sayfa