الْجَواب الرَّابِع
وَأما الْجَواب عَن الرَّابِع وَهُوَ أَنه حَيْثُ لَا يقبل الِاحْتِجَاج بِالْقدرِ وَأَنه لَا يكون إِلَّا مَا يُريدهُ الله فَإِنَّهُ يلْزم أَن الله تَعَالَى يُكَلف العَبْد مَا لَا يُطيق ثمَّ يُعَاقِبهُ عَلَيْهِ وَهُوَ ظلم مَعَ أَن الله تَعَالَى هُوَ الْخَالِق لذَلِك إِلَى آخِره
فَنَقُول هَذِه مَسْأَلَة يكثر فِيهَا الْخَوْض ويتحير فِيهَا الْعقل ويتخبط فِيهَا الْفَهم وتحتاج إِلَى كَلَام كثير وَقد اخْتلف أَقْوَال الطوائف فِي مثل هَذَا فمذهب أهل الْحق أَن الرب سُبْحَانَهُ مُنْفَرد يخلق الْمَخْلُوقَات وَلَا خَالق سواهُ وَلَا مبدع غَيره وكل حَادث فَإِنَّهُ محدثه
وَقَالَت الْمُعْتَزلَة إِن جَمِيع أَفعَال الْعباد من حركاتهم وسكناتهم وأقوالهم وأعمالهم لم يخلقها الله ثمَّ اخْتلفُوا فَقَالَت طَائِفَة خلقهَا الَّذين فَعَلُوهَا دون الله وَقَالَ آخَرُونَ لَيست مخلوقة وَلكنهَا أَفعَال مَوْجُودَة لَا خَالق لَهَا وَقَالَ آخَرُونَ هِيَ فعل الطبيعة وَقَالَ الَّذين زَعَمُوا أَن الْعباد خلقوها أَن وُقُوع الْأَفْعَال من العَبْد على وفْق قَصده وداعيته إقداما وإحجاما دَلِيل على أَنه موجدها ومخترعها قَالُوا وَلَوْلَا ذَلِك لكَانَتْ التكاليف كلهَا وَاقعَة على خلاف الِاسْتِطَاعَة وتكليفها بالمحال وَكَانَ لَا يحسن مدح ولاذم وَلَا ثَوَاب وَلَا عِقَاب وَهُوَ خلاف مُقْتَضى الْعقل وَالشَّرْع وَالْعرْف وَنقل عَن الأمامية هَل أَفعَال الْعباد خلق لَهُم أَو خلق لله على قَوْلَيْنِ وَنقل الْأَشْعَرِيّ عَن الزيدية أَنهم فرقتان فرقة تزْعم أَن أَفعَال الْعباد مخلوقة لله خلقهَا وأبدعها وَفرْقَة تزْعم أَنَّهَا مخلوقة لله وَأَنَّهَا كسب للعباد أحدثوها واخترعوها وفعلوها وَمذهب الْجُمْهُور أَن جَمِيع أَنْوَاع الطَّاعَات والمعاصي وَالْكفْر والفسوق وَاقعَة بِقَضَاء الله وَقدره ثمَّ اخْتلفُوا فَقَالَت طَائِفَة أَن العَبْد لَا قدرَة لَهُ الْبَتَّةَ وهم الجبرية وَمِنْهُم من بَالغ فَزعم أَن حَرَكَة العَبْد بِمَنْزِلَة حَرَكَة الْأَشْجَار مَعَ الرِّيَاح وَقَالَت طَائِفَة العَبْد غير مجبور على أَفعاله بل هُوَ قَادر عَلَيْهَا
1 / 38